عرض خاص.. للتجار!
غزل الماغوط غزل الماغوط

عرض خاص.. للتجار!

اعتدنا أن تصطدم الأصوات الشعبية المطالبة برفع الأجور وتحسين مستوى المعيشة، بإجابات حكومية متشابهة تصب جميعها في سياق عدم توافر السيولة النقدية بفعل الظروف التي تمر بها البلاد، لكننا في المقابل كثيراً ما نسمع بإجراءات حكومية تعوزها الحكمة والعدل، تُمارس علناً لمنح التسهيلات والدعم لكبار المستثمرين والتجار على حساب الطبقة العاملة الأكثر فقراً، والتي لا تحظى_ حين يتعلق الأمر «بالعطاءات» الحكومية_ بغير الوعود، ومن المؤكد، أن هذه السياسات الحكومية المحابية للأثرياء على حساب المفقرين ليست حالة استثنائية ولا زلة غير متوقعة، إنما هي: سياسات مدروسة تَسوقُ بلادنا نحو المزيد من الغرق في مستنقع الليبرالية الاقتصادية.

كَيلٌ بمكيالين
منذ بضعة أيام، لبت الحكومة مطلباً كان قد قدمه كبار مستوردي القطاع الخاص_ الذين يحتكر بعضهم استيراد منتجات أساسية في السوق السورية_ إذ وافقت اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء على وقف العمل بالقرارات والتوصيات والكتب المتعلقة بإلزام هؤلاء المستوردين بتسليم 15% من مستورداتهم للجهات العامة، بسعر التكلفة منذ عام 2013 وذلك بناءً على طلب المستوردين بوقف العمل بهذا القرار، بحجة تأخر جهات الدولة في دفع ما عليها من التزامات مالية لهم لقاء العمل بهذا القرار.
أي: إن الحكومة ببساطة تخلت عن مصدر دخل مهم لها، كان من الممكن أن يستثمر في دعم القطاع الإنتاجي كما أنها فتحت المجال للتجار لممارسة المزيد من الاحتكار والتلاعب بالأسواق السورية، ألا يعني ذلك صراحة، أن دعم المنتج المحلي ليس على الإطلاق على سلم أولويات الحكومة؟
في المقابل
في سياقٍ منفصل، نقرأ أن الحكومة تتمنع عن منح أية تسهيلات إنتاجية أو تسويقية لشركات القطاع العام، التي تعاني إلى جانب الإهمال الحكومي من تردي خطوط الإنتاج ونقص اليد العاملة ومنافسة المنتج المستورد، إذ تواجه شركة مثل: دهانات أمية صعوبات كبيرة على مستوى التسويق بسبب عدم التزام الجهات العامة باستجرار منتجات الشركة، إضافة إلى انتشار المنتجات المهربة التي تباع بأسعار بخسة في الأسواق.
الأمر ذاته ينطبق على عشرات الشركات الرائدة في قطاع الدولة، والتي انتهى بها المطاف إلى تكديس المنتج والعجز عن التصريف، وبالتالي تراكم خسائر بالغة وعجز عن تحسين أوضاع العمال عبر الحوافز ونسب الأرباح، مثلاً: تعاني شركة بردى من انحسار منافذ التوزيع وإغراق مؤسسات التدخل الإيجابي بالمنتجات المستوردة، في حين تتكدس البرادات المنتجة وطنياً في المستودعات، كذلك تكدس الشركة العامة للزجاج آلاف الألواح الزجاجية المحجرة في العراء، بعد أن ضاقت بها المستودعات، دون أن تجد منفذاً لتسويقها، وثمة أمثلة أكثر من أن تحصى هنا..
باختصار
تكفينا نظرة خاطفة على واقع الاقتصاد السوري لنلاحظ الهوة الواسعة في التعامل الحكومي مع كل من المستوردين الكبار، وما يلقونه من دعم وتنازلات وتسهيلات لتعزيز مكانتهم في أسواقنا من جهة، وما تواجهه الشركات التابعة للقطاع العام من سياسات منهجية تهدف إلى عرقلتها وتخسيرها، والحيلولة دون استعادة مكانتها الاقصادية، بما يقود بالتالي إلى سوقها نحو التشاركية وتقديمها على طبقٍ من ذهبٍ إلى القطاع الخاص.