انسحاب حكومي بطريقة التسلل!
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

انسحاب حكومي بطريقة التسلل!

صرحت وزيرة شؤون الاجتماعية والعمل لصحيفة كفاح العمال، عن بعض العناصر الرئيسية التي تضمنتها خطة الوزارة لسوق العمل، وتركيب القوى العاملة في ظل الظروف الراهنة، وعن رؤية الوزارة المستقبلية لهذه السوق.

الأزمة شماعة
الوزارة، اعتبرت أن الأزمة هي السبب الرئيسي في زيادة المتعطلين عن العمل، عبر استهداف الإرهاب لمنشآتٍ اقتصادية وخروجها عن الخدمة وانضمام عمالها إلى المتعطلين عن العمل، مع أن مشكلة البطالة مشكلة موجودة قبل الأزمة، ولم تستطع الحكومة إيجاد أي حلٍ لها، كما أن الوزيرة لم تر في القانون رقم 17 لعام 2010 الدور كبير في تسريح العمال وانضمامهم إلى المتعطلين عن العمل، عبر السماح لرب العمل بتسريح عماله بشكل تعسفي، والذي سرح ألاف العمال بناء عليه، كما أن تدني مستوى الأجور والرواتب الذي يدفع العديد من الشباب للعزوف عن العمل، بسبب تدني مستوى المعيشة، والذي يعود إلى سياسات الحكومة الاقتصادية التي تقف بجانب أصحاب الربح ضد أصحاب الأجور، وإصرارها على عدم تحسين مستوى المعيشة ليس مشكلة أيضاً برأي الوزارة.
الحكومة ليست معنية بشيء
يتبين من تصريح الوزيرة، اعتماد الحكومة بشكل رئيسي على برنامج دعم الخريجين الجدد، وبرامج دعم المشاريع المتناهية بالصغر، وهذا يدل على أن الحكومة تعتبر نفسها بأنها ليست معنية بمشكلة البطالة، ولا بتوفير فرص العمل للشباب، بل تترك المواطن يبحث عن عمل بنفسه، وهذا واضح من تصريح الوزيرة حول تعزيز قدرات الداخلين إلى سوق العمل بالتعاون مع القطاع الخاص والأهلي لتعزيز برامج المسؤولية الاجتماعية، وتأطيرها بما ينعكس إيجاباً على العمل الخاص وممارسة العمل الحر، كما أن الوزيرة لم تخفِ اعتماد الحكومة على الجمعيات، والقطاع الأهلي والمنظمات الدولية، لتحملها مسؤولية حل مشكلة البطالة، وكل هذا يؤكد أن الحكومة سائرة في برنامجها الاقتصادي الليبرالي، والذي يقود إلى انسحاب الدولة من تحمل مسؤولياتها الاقتصادية والاجتماعية لصالح القطاع الأهلي والمنظمات الدولية.
تعديل قوانين العمل
لمصلحة من؟
أشارت الوزيرة في تصريحها، إلى القرار الذي اتخذته الوزارة بشأن الاستعانة بأصحاب الخبرة الطويلة في القوانين والتشريعات، لتعديل قوانين العمل بالتعاون مع اتحاد نقابات العمال ومنظمات العمل ولكن من الواضح أنه من خلال سياسة الوزارة والحكومة بشكلٍ عامٍ، أنه لن يصدر قانون ينصف الطبقة العاملة ويعيد إليها حقوقها التي سلبت منها عبر السنين الماضية، بل ستصدر قوانين أسوأ من التي سبقتها وستعزز نفوذ أصحاب الربح وستضمن الحكومة لهم البيئة القانونية والتشريعية المناسبة لجني مزيد من الأرباح على حساب الطبقة العاملة، بحجة إعادة الإعمار.
وتحدثت الوزيرة عن السعي لتثبيت العقود السنوية المستمرة بالرغم من مرور عام وأكثر على صدور قانون تثبيت العمال «العقود» ولكن لم يثبت أحدٌ بناءً على هذا القانون بل يجري تسويف ومماطلة بشأن تثبيت هؤلاء العمال، وتعد مشكلة العقود السنوية من المشاكل التي تسببت فيها الحكومة عبر تبنيها لسياسات صندوق النقد الدولي من خلال الإعلان عن مسابقات لتوظيف في المؤسسات الحكومية بموجب عقود سنوية فقط، المتفق مع شعار « لا عمل دائم لوظيفة دائمه» الذي تخوض الطبقة العاملة في فرنساً نضالاً ضارياً في مواجهته.
أما فيما يخص العمال في القطاع الخاص، فقد أكدت الوزيرة عدم وجود أية مفعول لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية لاستقالة العامل المسبقة بعد صدور القانون رقم 17 ولكن بدورنا نستطيع أن نقول: إن الحكومة شرّعت في القانون استقالة العامل المسبقة عبر السماح لرب العمل بتسريح عماله بشكل تعسفي وقت ما يريد.
فائض أموال التأمينات!!
كما نوهت الوزيرة بالقانون رقم 2 لعام 2005 الذي أعطى الحق لمؤسسة التأمينات الاجتماعية باستثمار كامل فائض أموالها، وتحدثت بشكل مختصر عن إجراءات المؤسسة لتحصيل ديونها التي لم يُحصّل منها شيء حتى الآن، حيث تبلغ ديون مؤسسة التأمينات الاجتماعية على القطاع العام والخاص حتى عام 2017 أربعون مليار ليرة، ولم تذكر بديون المؤسسة التي استدانتها الحكومة، ولم تُحصّل حتى تاريخه، والتي تصل إلى مئات المليارات، وفضلت الوزيرة الحديث عن فائض أموال مؤسسة التأمينات مع أنها تواجه ضائقة مالية حقيقية قد توصلها إلى حد الإفلاس، بسبب ديونها التي لم تسدد، وبسبب تحميلها نفقات تعويض المعيشة للمتقاعدين، التي كان يجب تحميلها للحكومة، وبسبب القوانين المتكررة كل عام التي تصدر وتعفي أصحاب المؤسسات الاقتصادية من فوائد المبالغ المترتبة بذمتهم لصالح المؤسسة.
من الواضح، أن الحكومة ليس لديها أية رؤية أو حل جوهري وجذري لمشاكل الطبقة العاملة، وحتى لسوق العمل، ولا تملك حلولاً حقيقيةً وجديةً لمشكلة البطالة، وهي لا ترى في تدني مستوى الأجور والرواتب وتراجع مستوى المعيشة، مشكلة حقيقية بل جل ما يهمها هو: الانسحاب من الحياة الاقتصادية والاجتماعية لصالح المنظمات الدولية والقطاع الخاص.

آخر تعديل على الأحد, 03 حزيران/يونيو 2018 23:12