أكرم فرحة أكرم فرحة

الفساد.. ظاهرة ملموسة أم سراب؟!!

إن ظاهرة الفساد مرتبطة بالدولة وقطاعاتها والذي يشجع على الفساد ويمارسه هو القطاع الخاص طلباً للامتيازات وتجاوزاً للشروط والمتطلبات والالتزامات وإذا كان مصدر الفساد صحيحاً بالنسبة للقطاع الخاص الوطني فإنه أكثر صحة بالنسبة للشركات والمؤسسات والهيئات الأجنبية التي تبحث عن التعاقدات في البلدان المعنية.

وظهرت هذه الحقيقة في التفريق ما بين موقع ظاهرة الفساد وموقع من يمارسها في النتائج التي خرج بها «المؤتمر الثاني لمحاربة الفساد وحماية النزاهة» الذي عقد في لاهاي في الفترة ما بين28 ـ 31 أيار الماضي 2001، وحضره ممثلون عن مائة وعشر دول والتي أكدت فشله في التوصل إلى تحديد مسؤولية كل من الدول الغنية والدول الفقيرة عن انتشار الفساد. الأولى باعتبارها المقدمة للرشاوى عبر شركاتها التي تبحث عن الامتيازات، والثانية باعتبارها التي تتلقى الرشاوى أو يطلبها موظفوها وكان من مظاهر هذا الفشل عجز المؤتمرين عن التوصل  إلى إعلان عالمي تتبناه الأمم المتحدة من أجل مكافحة الفساد ويتضمن آليات محددة لمراقبة التزام الدول بما جاء.

إن منظمة الشفافية الدولية أشارت في تقاريرها إلى نماذج من ممارسات الفساد والقائمين عليه:
- قيام الوزراء باستخدام السلطة الاختيارية الممنوحة لهم في ترجيح الصفقات والعقود.
- حصول المسؤولين على نسبة معينة لإقرارهم المناقصات الحكومية «عمولة».
- حصول المسؤولين على إكرامية من المقاولين المتعاقدين مع المؤسسات الحكومية.
- التهديد بفرض رسوم عالية أو ضرائب ما لم يتم الحصول على الرشاوى.
- التهديد بالتعطيل الإداري لإجراءات استكمال المعاملات ما لم يتم دفع رشاوى.
- قيام المسؤولين الكبار بفرض رسوم على الموظفين الصغار لقاء توظيفهم أو مساعدتهم.
- الفساد الخاص بالسوق السوداء وتحالفاتها مع رجالات الدولة، سوق السلاح، تزييف العملات، التهريب للبضائع والسلع والمخدرات.

يصنف الفساد إلى ثلاثة مستويات:

المستوى الأول: الفساد الجزئي
وهو الفساد الذي يجب أن نتوقع وجوده في كل المجتمعات والذي تلاحقه أجهزة الرقابة في الدولة، ويتصدى له القضاء والضمير العام ويعتبر من وجهة نظر الثقافة العامة قيمة سلبية يتستر صاحبها ويخفيها عن مجتمعه وحينما يتم الكشف عنها، فإن هذا الفاسد أو ذاك يصبح منبوذاً.

المستوى الثاني: الفساد المنتشر
وفي هذا المستوى من الفساد فإن الفساد كواقع وظاهرة والفساد كثقافة يصبح ذا وجود ملموس، وحضور قوي في المجتمع وهو ينافس نقيضه (النزاهة والضمير) في الحياة العامة وعند هذا المستوى لا يعود هناك حاجة ملحة للتستر ولا يعود هناك خجل حقيقي من اكتشاف انتماء الفرد إلى معسكر الفساد وعند هذا المستوى تتباطأ إمكانات آليات مكافحة الفساد عن العمل سواء كان بسبب تأثير مكانة الفاسدين وحجمهم على عمل هذه المؤسسات والإدارات أو بسبب الحجم الهائل لقضايا الفساد وعدم توفر القدرة الإدارية والبشرية لمتابعتها.

المستوى الثالث: الفساد كسياسة معتمدة
وهذا أخطر مستويات الفساد ويتحقق حين تلجأ السلطات بنفسها إلى اعتماد الإفساد لمعالجة الظواهر السياسية والاجتماعية في البلد المعني وعند هذا المستوى من الفساد تصبح محاربة الدولة للفساد هو نفسه فساداً، وفساد الفرد يصبح الشرط اللازم والمسكوت عنه لتولي المناصب السياسية والإدارية والقيادية في الدولة ومؤسساتها وحينما يتمكن فرد ما من التسلل إلى هذه المواقع وهو مبرأ من الفساد فإنه يجد نفسه محاصراً بالبيئة الفاسدة فإما أن تنبذه فلا يستطيع فعل شيء وإما أن ينخرط فيها ويتخلى بذلك عن نزاهته، وخطورة هذا المستوى في أن تعطل آليات مكافحة الفساد والتصدي له ليس مرده العجز عن أداء هذه المهمة وإنما بفعل دخول جرثومة الفساد إلى هذه الآليات نفسها.


معلومات إضافية

العدد رقم:
177