بصراحة الحركة النقابية في مجلسها جوبهت بردود تحذيرية!!
عندما أكدنا لدى تغطيتنا لمعظم المؤتمرات النقابية أن تصاعد اللهجة المطلبية غير كاف في هذه المرحلة، كنا نقول ذلك بسبب إدراكنا لصعوبة المرحلة،
و للسياسات التي تحاصر الحركة النقابية وتجمد قوتها الحقيقية. فالردود الحكومية تأتي دائماً دون المطلوب وأقل من المستوى المأمول، وكأن مهمتها تحذير النقابات، وإجهاض كل مشروع جديد تطلقه الحركة النقابية التي لم تقصر طيلة السنوات الفائتة في التنبيه إلى الوضع المتردي الذي وصل إليه القطاع العام، بسبب السياسات الحكومية المهمشة لدوره، بعد أن ذهبت كل مبادرات إصلاحه أدراج الرياح، في الوقت الذي تتصاعد فيه السياسات الليبرالية التي تسعى لإدخاله حالة الموت السريري، ومن ثم خصخصته بحجة «الاستثمار».
إن حضور الحكومة في الاجتماع الأخير لمجلس الاتحاد العام، والذي جاء في اليوم الثاني من أعماله، كان غير مقبول للكثير من القيادات النقابية، والبعض منهم وصلت به الجرأة إلى حد المطالبة أو التمني بعدم حضور الحكومة، وخاصةً أعضاء الفريق الاقتصادي، وهو الحضور الذي أصبح بروتوكولياً فقط. و بناء على هذا فإن على الحركة النقابية والاتحاد العام لنقابات العمال في سورية أن يعي ما سيجري في المرحلة القادمة، وأن يكون حذراً من أية خطوة تتخذ دون إشراكه مشاركة فعلية بها، وتحميل المسؤولية كاملة لكل من له صلة مباشرة أو غير مباشرة بإبقاء مؤسسات وشركات القطاع العام على وضعها الراهن، لأن إصلاح هذا القطاع يتطلب دون شك دراسة عمق المشكلة لكل شركة أو وحدة إنتاجية في كل قطاع، عن طريق تشكيل لجان خاصة يشارك فيها بشكل أساسي التنظيم النقابي، كشريك في العمل وليس كضيف شرف، وذلك لإيجاد حلول جذرية لهذه الشركات، بعيداً عن تصنيفها ضمن الشركات الرابحة أو الخاسرة أو الحدية.
وعلى الحكومة أن تعلم أنه على الرغم من التسهيلات التي قدمتها للقطاع الخاص، فإن هذا القطاع مازال يتهرب من التزاماته الضريبية للدولة، ومن التزاماته القانونية تجاه حقوق العمال، ويتهرب من تسجيل عماله في التأمينات الاجتماعية، حتى أصبح كل شيء مباحاً له. وليس بخافٍ على أحد ما يفرض على العمال من ظروف عمل لا إنسانية، مثل إجبارهم على العمل لمدة /12/ ساعة يومياً بدلاً من /8/ ساعات، دون أي تعويض، وعدم تنفيذ أرباب العمل حتى الآن قرار زيادة الأجور بنسبة 25% بموجب المرسوم الجمهوري رقم 24 تاريخ 1/5/2008، علماً بأن تنفيذ هذا المرسوم على أرض الواقع من مهمة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي لم تحرك ساكناً لإجبار أرباب العمل على تنفيذه، الأمر الذي أدى بأرباب العمل إلى التمادي بفرض عقود الذل والإذعان على العمال، وإجبارهم على التنازل عن حقوقهم وأتعابهم القانونية في المجالات كافة، والتوقيع المسبق على الاستقالة من العمل قبل المباشرة به، وتخويفهم بلقمة عيشهم، وتهديدهم بشكل علني، وبحضور جميع العمال، أن كل من يطالب بحقوقه العمالية أو يلتقي بأحد الصحفيين أو أحد موظفي التأمينات الاجتماعية -الشرفاء منهم بالأخص- سيتم تسريحه من العمل مباشرة، ناهيك عن حرمانه من الإجازات السنوية، والطبابة المجانية، والتعويض العائلي، وتعويض التدفئة.
إن مثل هذه الحقوق والامتيازات مازالت سمة للقطاع العام وحده، وهذا ما يدعونا للمطالبة بضرورة تنفيذ الأحكام العمالية المكتسبة لدرجة القطعية، وإلى عدم تقليص الاعتمادات المالية التي ترصد للباس العمالي والطبابة والفحص الطبي الدوري، خاصة بعد أن تأكد قيام وزارة المالية بشطب أو تقليص هذه الاعتمادات، مما انعكس سلباً على الطبقة العاملة السورية، في حين يجب أن يكون هدف هذه السياسة المالية تحقيق النمو الاقتصادي المنشود، والمساهمة في إعادة توزيع الدخل لمصلحة الطبقات الاجتماعية الأضعف، والأكثر فقراً، والعمل على تقليص الفجوة بين طبقتي الأغنياء والفقراء بعد تلاشي الشريحة الوسطى من المجتمع، نتيجة السياسات التي اعتمدتها الحكومة، وفريقها الاقتصادي.
إن دعم الإنتاج الوطني وحمايته قد أصبح ضرورة موضوعية حفاظاً على الاقتصاد الوطني، وعلى فرص العمل للطبقة العاملة في مختلف القطاعات، ويجب على النقابات الحذر الكامل من بعض الأصوات في الفريق الحكومي التي تدعو للتماهي مع تجارب بعض البلدان النامية التي حررت اقتصادها وخضعت لوصفات المؤسسات المالية الدولية، في الوقت الذي تمارس فيه الدول الرأسمالية الكبرى سياسات تهدف إلى حماية إنتاجها الوطني!!
أخيراً يمكن القول إن الدرس الأول الذي يجب الأخذ به من المجلس العام، هو أن مطبقي السياسات الليبرالية مازالوا مصرين على خططهم التي عمقت صعوبات إصلاح القطاع العام، في ظل احتدام المنافسة مع القطاع الخاص، وتحرير التجارة، الأمر الذي يتطلب من الاتحاد العام لنقابات العمال وضع الإستراتيجية الوطنية المناسبة له في مواجهة كل ما يجري، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 405