بصراحة شكراً للمجلس العام.. وإلى الأمام

من الهام والضروري التطرق بين الفينة والأخرى لما يثيره الاتحاد العام لنقابات العمال في مجالسه ومؤتمراته، وخاصة القضايا الساخنة والآنية التي تتطلب إصلاحات دون أي تأخير، وليعذرنا الاتحاد في اقتباس نقاط هامة من التقرير المقدم للمجلس لما لها من أهمية، ولا يخفى على أحد أن الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية طرح رؤيته للإصلاح الاقتصادي خلال المجلس العام الماضي، وهو يتقدم من مجلس الاتحاد بهذه الرؤية من أجل مناقشتها وتصوبيها وصولاً إلى رؤية مبنية على إجماع القيادات الممثلة للطبقة العاملة في سورية.

إن رؤية الاتحاد تنطلق من مجموعة من المبادئ العامة أساسها أن الجانب الاجتماعي يجب أن يتصدر أولويات أي مشروع إصلاحي تنموي في سورية، وأن الأهداف الاقتصادية الأخرى ومنها تعزيز النمو هي أهداف مشتقة من هذا الهدف، وإعطاء الأولوية في سياساتنا الاقتصادية لدعم القطاع العام واستهداف الفقر والبطالة.
وفي الخطة الخمسية العاشرة يرى الاتحاد أن الخطة تتسارع في الجهات المختلفة من أجل التحضير لإعداد الخطة الخمسية الحادية عشرة، ولا بد من تمثيل الاتحاد العام لنقابات العمال في هذه اللجنة، ومن جهة ثانية، لم يتم إلى الآن الكشف بصورة رسمية عن تقرير تَتبُع تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة.
ويمكن القول بأن الخطة الخمسية العاشرة لم تحقق إلا جزءاً بسيطاً من أهدافها، وبما لا يتناسب مع الأهداف الطموحة والوردية التي تضمنها متن الخطة. ويشار إلى أن النتائج المتعلقة باستهداف التضخم والتي قاربت إلى حد بعيد أهداف الخطة لم تكن بسبب نجاعة السياسات الاقتصادية للحكومة بقدر ما كانت إحدى نتائج الأزمة الاقتصادية العالمية. وفيما يتعلق بمعدلات البطالة، فإن هناك شكاً مبرراً في صحة الأرقام المتداولة، ولاسيما أن التوظيف في جهات الدولة محدود جداً، وبسبب تراجع الإنفاق الاستثماري المنفذ فعلاً في القطاع الخاص، وذلك على عكس تصريحات الحكومة بأن القطاع الخاص قد نفذ كامل ما هو مطلوب منه من الخطة الخمسية العاشرة (أي /900/ مليار ل.س). وفي هذا الصدد يظهر عدم دقة هذه التصريحات من أن هذا الرقم يعني فيما يعنيه أن البطالة سوف تتراجع إلى حدود أقل من /1%/، وأن معدل النمو كان ينبغي أن يكون بحدود /12%/ على الأقل. وهو الأمر الذي لم يحصل بالفعل.

ومن جهة أخرى، فإن المشاهدات اليومية تشير إلى أن نسبة الفقر ترتفع، وتشهد على ذلك العديد من التغطيات الصحفية والتقارير النقابية في مختلف المحافظات. كما يؤكد صحة استنتاجنا تراجع مستوى المعيشة بشكل صارخ بسبب تراجع الدعم المقدم للمواطنين وللمنتجين الزراعيين.
إن هذا التراجع في دور الدولة الاقتصادي يتوافق مع نصائح صندوق النقد والبنك الدوليين. ومعلومة للجميع أهداف هاتين المؤسستين وما هي النصائح التي قدمتها للدول الأخرى ونتائج هذه النصائح، والتي تنطلق من إيديولوجيا نهاية التاريخ والنيوليبوالية وتفوق النموذج الرأسمالي.
مازال الاتحاد العام لنقابات العامل يؤكد على دور الدولة انطلاقاً من أهميته الاقتصادية والسياسية، وأتت الأزمة المالية العالمية الراهنة لتؤكد صوابية هذا التأكيد، حيث أن الاقتصادات التي ما فتئت تدعم وتضغط لتطبيق قواعد اقتصاد السوق غير المنضبطة بقواعد قانونية أو أخلاقية، بدأت تتراجع عن هذه الدعوات وباتت تمارس دوراً تدخلياً لطالما أدانته ومارست أقسى الضغوط للتراجع عن تطبيقه في بلدان أخرى، ولاسيما سورية. وتنطلق قناعتنا الثابتة بأهمية هذا الدور من النقاط التالية:

• السياسات الليبرالية التي يوصي بها الصندوق والبنك الدوليان، تلح على انسحاب الدولة من الشأن الاقتصادي، وتنادي بحرية التجارة وتحرير الأسعار، وهذا ما أخذت به الإدارة الاقتصادية في سورية، وهذا ما أدى وما سيؤدي، كما هي الحال في جميع البلدان التي رضخت لتلك السياسة، إلى المزيد من المشكلات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ولعل أهم منعكساتها هو التأثير على مستويات الدخول وتوزيع الثروة، فتخلق هذه الفوارق الهائلة في الدخول.
وفي الحقيقة فإن أية محاولة من أجل إظهار أن هذا القطاع قد نفذ ما هو مخطط له في الخطة الخمسية العاشرة، يصطدم بالعديد من الحقائق التي لا تخفى على أحد، فالأرقام  المعلنة عن استثمارات هذا القطاع غير منطقية ولا تتفق مع القدرة الاستيعابية للاقتصاد السوري، كما لا تتفق مع الوقائع الاقتصادية المحلية والإقليمية، وإن معدلات النمو الاقتصادي التي تم الإعلان عنها من المكتب المركزي للإحصاء لا تتفق مع حجم الاستثمارات التي أعلن عن تنفيذها، بالإضافة إلى استمرار ظاهرة البطالة في الاقتصاد السوري.
يرى اتحاد العمال أن أية مقاربة إصلاحية للاقتصاد السوري، يجب أن تهدف إلى معالجة مشكلاته المزمنة التي يعاني منها، وحفز النمو الاقتصادي وصولاً إلى معدلات تزيد عن /8%/ بالأسعار الثابتة، وتحسين القدرة التنافسية لقطاعات الاقتصاد الوطني ولاسيما قطاع الصناعة التحويلية، وتحصين الوحدة الوطنية، وتقليص الفقر وتحسين مستويات المعيشة، والعدالة في توزيع الدخل، وجعل التضخم في حدوده الدنيا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
430