عمال القطاع الخاص بين مطرقة الحكومة وسندان أرباب العمل
في كل يوم تصريحات .. مقابلات.. مؤتمرات وندوات.. في كل يوم تشريعات ومراسيم وخطط دعم وبرامج من أجل تمكين ذاك القط الذي تربى وترعرع وسمن في مراحل سابقة، أن يقود الآن دفة الاقتصاد الوطني باعتباره حسب التنظيرات الحكومية وغير الحكومية خشبة الخلاص التي سيتمكن من خلالها الوطن من الوقوف على قدميه، وسيتمكن الشعب وخاصة الطبقة العاملة من العيش برغد وبحبوحة بعد أن يتم التخلص من ذاك الـ.... الثقيل (قطاع الدولة)، الذي هو علة العلل؟!!، والعقبة الكبرى التي تواجه أي تطور منشود يمكن أن يتحقق لاقتصادنا الوطني.
بالتالي لابد من تحجيمه وإلغاء دوره السياسي والاجتماعي، واقتصار هذا الدور فقط على القضايا الاستراتيجية مثل النفط والمياه والطرقات، أي باختصار دوره خادم استراتيجي لهؤلاء (الأزلام الجدد) الذين طفوا على السطح، مستفيدين من كل ما أنتجه العقل الإمبريالي من خبرة متراكمة في الاختراق والسيطرة والنهب لاقتصاديات الشعوب، ابتداء من وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى المساعدة في (تحديث وتطوير) التشريعات المختلفة وإيجاد الحلول والأشكال العملية (لبرنامجهم) من خلال الخبرات التي تقدم لكي يتخلص قطاع الدولة من تعثره ليفكر وينتج ويسوق وينافس بعقلية السوق فقط. إن هذا يتطلب الكثير من الإجراءات والخطوات وكواحدة منها اقتراح فصل الملكية عن الإدارة، والتي يجري التسويق لها كثيراً كغطاء للخصخصة والاستثمار المباشر من قبل الإدارات الجديدة لهذه الشركات، وكذلك تصنيف الشركات رابحة وحدية وخاسرة إلخ تأتي في هذا السياق.
وبالتالي فإن هذا القطاع (قطاع الدولة) سيقدم على مذبح برنامج قوى السوق، والذي يبنى قواعده على أسس متينة من الإجراءات الاقتصادية والتشريعية والقانونية والقضائية والمصرفية والمالية، ولم ينس على الإطلاق في توجهاته قضية العمال باعتبارها إحدى القضايا الهامة في برنامجه من حيث ضرورة السيطرة عليها وتحجيم أي دور للحكومة والنقابات للتدخل فيها.
(السيد سامر الدبس رئيس غرفة صناعة دمشق صرح حول موضوع تدخل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في زيادات الرواتب التي يمنحها القطاع الخاص لعماله عند كل زيادة للقطاع العام، دون أن يفوضها القانون صلاحية ذلك، بل حددها في تحديد الحد الأدنى للأجور)
إن المراقب البسيط يلاحظ التوجه العام للحكومة تجاه خلق كل السبل الممكنة من أجل أن يتكرم القطاع الخاص المحلي والعربي والأجنبي،وأن يتفضل علينا ويستثمر أمواله عندنا، باعتبار بلدنا فيه العديد من الامتيازات، وعلى رأسها اليد العاملة الماهرة والخبيرة والرخيصة وغير المحمية فعلياً قانونياً ونقابياً، وهذه ميزة قد لاتوجد الآن في بلدان تشبهنا، لذا فإن القطاع الخاص (يسوق) كما يريد دون رادع تجاه العمال خاصة، وأنه يستفيد من ظروف البطالة التي تجعل العرض كثيراً لقوة العمل والطلب قليلاً وهذا مصدر التحكم وفرض الشروط على العمال باعتبارهم الحلقة الأضعف في المعادلة القائمة في سوق العمل، وخاصة من حيث الأجور التي يقدمها رب العمل للعمال والتي حدها الأدنى لايتجاوز الـ4000 ل.س ولايزيد للعمال المهرة عن 8000 ـ 10000 ل.س، هذا من حيث الأجر أما من حيث الحقوق الأخرى فإن رب العمل يضع العامل إما خيارين أمام القبول بشروطه أو الانضمام لجيش العاطلين عن العمل وهذه الشروط هي:
1. أن يوقع على استقالة مسبقة بدون تاريخ بدء العمل.
2. أن يوقع على براءة ذمة مسبقة أيضاً تجاه رب العمل.
3. أن يلتزم بالتعليمات التي يحددها رب العمل (طبيعة العمل ـ ساعات العمل ـ الإجازات القسرية، إلخ).
إن هذه الإجراءات تتم ممارستها تحت سمع وبصر الحكومة والنقابات دون أن يكون هناك فعل حقيقي لحماية حقوق العمال المنتهكة من قبل صاحب العمل، ليس هذا فقط بل إن العمال في منشآتهم لايتوفر لهم الحد الأدنى من شروط الأمن الصناعي والصحة والسلامة المهنية التي تحمي العامل من الأخطار المختلفة الصحية فمثلاً عمال المنشآت البلاستيكية يتعرضون للأبخرة والروائح الناتجة عن صهر البلاستيك تحت درجات حرارة عالية دون أجهزة وقاية خاصة أو أجهزة شفط لتلك الروائح، فمثلاً معمل كواره وحجيج في منطقة حمورية ينتج نعل الأحذية (البولي أدريشان)، يعمل في المعمل ورديتان الأولى من 8 صباحاً حتى 6 مساءاً والوردية الثانية من 6 مساءاً حتى 8 صباحاً:
■ يستخدم في صناعته كلور مركز وأسيد مركز وأفران صهر تصل حرارتها إلى 800 درجة.
■ لاتوجد لجنة نقابية حيث يبلغ عدد عماله 100 عامل في الوردية الأولى و 75 عاملاً في الوردية الثانية.
■ تتراوح أجور العمال بين (1500 ـ 4000) ل.س أسبوعياً.
■ مدة الاستراحة خلال العشر ساعات نصف ساعة فقط.
■ العمال معظمهم غير مسجلين بالتأمينات الاجتماعية.
■ في حال إصابة العامل يرمى إلى الشارع ويعالج على نفقته الخاصة.
■ العامل ليس له عمل محدد (من تنظيف وعتالة، إلخ).
النموذج الثاني عمال النسيج وخاصة الورش الصغيرة التي يتعرض عمالها للزغبرة والأصوات العالية الناتجة عن حركة النول، مما يتسبب بالإصابة بأمراض الصدر والصداع المزمن وفقدان السمع، وهذا مثال عليها معامل النسيج في جرمانا، في المنطقة الصناعية (ابن عساكر)، المنطقة الحرة في عدرا، إن هذه المنشآت تركز في عملها على تشغيل الأحداث والنساء بسبب قلة الأجور التي يتقاضونها وساعات العمل الطويلة التي يعملون بها حيث تصل إلى 12 ساعة عمل متواصلة مع وجود نصف ساعة راحة وأحياناً لايتم منحها للعمال، ورغم وجود مواد في قانون العمل (91) لعام 1959 ينص في المادة:
■ المادة 114 على أنه لايجوز تشغيل العامل تشغيلاً فعلياً أكثر من ثماني ساعات عمل في اليوم.
■ المادة 125 حددت عمل الأحداث بست ساعات عمل في اليوم.
■ المادة 126 لايجوز تكليف الأحداث بالعمل ساعات إضافية مهما كانت الأحوال وتشغيلهم في أيام الراحة الأسبوعية.
إضافة لذلك فإن معظم عمال القطاع الخاص محرومون من الاستفادة من الإجازات السنوية المأجورة والذين يتقاضون أجورهم أسبوعياً أو يومياً لايتقاضون أجراً عن يوم الراحة الأسبوعي.
أما تسجيلهم بالتأمينات الاجتماعية فتدل على ذلك الأرقام المسجلة والصادرة عن التأمينات الاجتماعية بتقريرها السنوي حيث يوجد (1014366) عامل قطاع خاص مسجلين من أصل ثلاثة ملايين عامل، هؤلاء العمال معرضون لمخاطر المهنة ومخاطر التسريح التعسفي، ليس هذا فقط، بل إن انحياز القضاء لصالح أرباب العمل الواضح بالفتوى والاجتهاد التي قدمها والمخالفة لقانون العمل والصادرة عن محكمة الاستئناف العمالية والقاضية باعتبار عقد العمل الفردي عقداً محدد المدة مهما جدد، حيث حولت هذه الفتوى عمال القطاع الخاص إلى عمال مؤقتين غير ملتزم صاحب العمل بأية حقوق تجاههم.
وهناك أسلوب جديد يستخدمه أرباب العمل تجاه العمال فواحدة من هذه الشركات شركة (ريما) العاملة في مطار دمشق وصاحبها عضو مجلس شعب، يعين العمال لحمل الأمتعة للمسافرين دون أجور، أجورهم هي مايتقاضاه العمال من بخشيش ويتقاسم هذا البخشيش معهم في نهاية كل يوم.
إذاً يمكن أن نستنتج مما تقدم أن الطبقة العاملة السورية سواء كانت في قطاع الدولة أو في القطاع الخاص تتعرض الآن لمخاطر حقيقية تتعلق بحقوقها ومكتسباتها وبالتشريع الناظم لهذه الحقوق والمكتسبات والتي ناضلت طويلاً من أجلها، ونلاحظ أيضاً أنه كلما تقدمت قوى السوق خطوة إلى الأمام في تحقيق برنامجها، خسرت الطبقة العاملة جزءاً من مكاسبها وجرى انتهاك لحقوقها، وعليه فإن استمرار الخلل في هذه المعادلة سيترتب عليه الكثير من المآسي والظلم والنهب لحقوق الطبقة العاملة السورية.
إن عمال القطاع الخاص يزدادون عدداً سواء المنظمين منهم أو خارج التنظيم، هذا يقتضي من كافة القوى الوطنية والحريصين على مصالح الطبقة العاملة وفي مقدمتها الحركة النقابية، التي من المفترض أن يكون لها دور أساسي في تنظيم عمال القطاع الخاص والدفاع عن مصالحهم بشتى الوسائل والطرق وعلى رأسها استخدام حق الإضراب، إن هذا سيؤسس لحالة متقدمة من إعادة الثقة بين الطبقة العاملة وحركتها النقابية، خاصة إذا استطاعت النقابات أن تفرض انتخابات حقيقية في هذه التجمعات يختار العمال ممثليهم وليس رب العمل الذي يعين اللجنة النقابية التي تحقق مصالحه بالضغط على العمال وممارسة كل أشكال العسف بحقهم.
إن ذلك سيجعل العمال ينظرون إلى النقابات باعتبارها الحامي لمصالحهم وحقوقهم في مواجهة الغول الذي يلتهم الأخضر واليابس، بشتى الوسائل، وبيديه كل الإمكانات والنفوذ التي تساعده على عملية النهب تلك.
والسؤال الذي يطرح نفسه:
طالما قوى السوق تصنع برامجها على الأرض، لماذا لانصنع نحن بأدواتنا الخاصة من أجل تعديل الخلل بالمعادلة تلك؟؟
لماذا لانخلق توازناً بين النهب والحقوق المنهوبة، فهل يعقل أن يربح القطاع الخاص (500 مليار) ليرة سورية ويدفع فقط ضريبة دخل على الرواتب والأجور (3.9) مليار في السنة.
فهل يعقل أن أجور العمال البالغة (17) مليار ل.س وهو يربح 500 مليار ليرة؟! أليست هناك اختلال في القوى والأجور لأكثر من مليون عامل؟!
إن هذه المعادلة المختلة يجب النضال من أجل تصحيحها وهذا يتطلب:
1. النضال من أجل زيادة أجور عمال القطاع الخاص بما يتناسب مع الحد الأدنى للمعيشة.
2. أن تكون النقابات هي الممثل الفعلي للعمال في تنظيم العقود بين العمال وأرباب العمل.
3. ان تكون النقابات هي المفاوض باسم العمال من أجل زيادة وتحسين أجورهم.
4. النضال من أجل حق العمال بالإضراب والاعتصام من أجل تحسين بيع قوة عملهم.
5. العمل على تنظيم عمال القطاع الخاص في النقابات.
6. النضال من أجل ثماني ساعات عمل.
7. رفع نسبة الغرامات المالية بشكل يكون رادعاً لأرباب العمل المخالفين لقانون العمل.
8. العمل على تسجيل العمال في التأمينات الاجتماعية.
9. النضال من أجل توحيد قوانين العمل المطبقة وعدم استثناء الشركات المستثمرة من أحكام القانون (149) القاضي بمنع التسريح التعسفي.
10. حق العمال في الإجازة مدفوعة الأجر وفي الطبابة والرعاية الصحية وبدلات اللباس.
■ عادل ياسين