قانون العاملين الموحد.. يعصر الموظفين ليتركهم عظما بغير لحم

لم يكن تاريخ 2/1/1985 يوما عاديا في حياة السوريين وبالأخص العاملين في الدولة  اذ نزل عليهم قانون العاملين الأساسي كالقضاء والقدر فقنن لقمة عيشهم بطريقة لن يتسنى لهم حتى مجرد مناقشتها حتى لحظة إعداد هذا التحقيق .

فالقانون جاء وهو بحاجة إلى قوانين لتفسره لدرجة أن الشكاوى المستمرة اضطرت الحكومة السورية الى اعداد ملحق لتفسيرات القانون وصلت اليوم الى اكثر من ألف وخمسمائة صفحة فمن سيقرأ؟.

وقد نشرت قصة طريفة عن مسؤول سوري بارز شغل عدة حقائب وزارية حول طريقة صياغة القوانين في سورية وتقول:إن الحكومات المتعاقبة التي شارك فيها كانت تعمد إلى تشكيل لجنة فنية من المختصين لإعداد مشروع قانون أو مرسوم تشريعي.

وتقوم اللجنة الفنية بواجباتها على أكمل وجه، وتقدم المشروع بشكلٍ جيد يشبه الفتاة الباريسية الجميلة كلها فتنة وإغراء وُتعْجب كل من ينظر إليها.

ويصل مشروع القانون «الفتاة الباريسية» إلى الحكومة التي تحيله إلى وزارة المالية أو وزارة العدل أو تشكل له لجنة وزارية جديدة.

تبدأ وزارة المالية أو وزارة العدل أو اللجنة الوزارية بتوجيه الضربات إلى الفتاة الباريسية الجميلة «مشروع القانون» فتتمزق بعض ثيابها وتدمع عيناها، وتقدمها إلى اللجنة الاقتصادية أو لجنة الخدمات لدراسة مشروع القانون «الفتاة الباريسية بعد أن تمزقت بعض ثيابها».

تتابع لجنة الخدمات أو اللجنة الاقتصادية توجيه الضربات إلى تلك الفتاة الباريسية «مشروع القانون» فتتهالك قليلاً ويظهر بعض السواد تحت عينيها وبعض الإزرقاق في أجزاءٍ من جسمها، ومن الطبيعي أن ترفع اللجنة مشروع القانون إلى مجلس الوزراء وفيه بعض الحسنات «لو بقي بعض الاغراء في منظر الفتاة الباريسية».

يبدأ الوزراء بتوجيه اللكمات إلى كل أجزاء الإغراء في جسم الفتاة الباريسية «مشروع القانون» حتى تخرج تلك الفتاة من بين أيدي السادة الوزراء كالعجوز الشمطاء رجلها والقبر، أي أن القانون قد أصبح غير صالح ومعقد وهو بحاجة إلى تعديل قبل أن يرى النور.

هذه القصة المبكية المضحكة في آن هي تعبير اكثر من حقيقي عن الحال الذي أصبح بحاجة إلى أعظم مشرع حتى يحل الإشكاليات العالقة بسبب قانون العاملين الذي يدور الحديث عن تعديله وهنا لب الموضوع .

فالقانون تقادم مع الزمن وأصبح تعديله من أهم متطلبات انطلاقة العمل في سورية لأنه بحد ذاته أصبح من عوامل الإعاقة لعملية الإصلاح التي تنادي بها الحكومة السورية منذ حوالي أربع سنوات.

فالقانون خلق معضلة حقيقية في مسألة الرواتب والأجور إذ انه وضع سقفا لما يمكن أن يصل إليه راتب الموظف وبالتالي هناك موظفون يعانون من ثبات رواتبهم لأكثر من عشر سنوات كونهم بلغوا السقف كما أن الأقل درجة وشهادة منهم اقتربوا بحكم السقف أيضا منهم وأصبح شائعا أن ينال الأستاذ في الجامعة مايقارب المستخدم أو الموظف الذي يحمل شهادة الدراسة الثانوية.

الموظفون استبشروا خيرا بعد طول انتظار لتعديل هذا القانون الذي يثقل كواهلهم ولكن هذا الأمر لم يدم طويلا إذ سرعان ما دبت الخيبة بعد تسرب التعديلات على قانون العاملين وبدا الأمر وكأنه تغيير في الشكل مع الحفاظ على المضمون.

فالقانون المعدل لم يلغ سقف الأجر وإنما رفعه وبالتالي فان التضخم الطبيعي كفيل بأن ينهش الأخضر واليابس.

كما أن إجازة الأمومة فرّقت بين الطفل الأول والثاني والثالث بدون أي مبرر كما أن الأم العاملة لن تستطيع اخذ أي إجازة أمومة بعد الطفل الثالث.

كما تضمنت التعديلات الجديدة تعقيدات كثيرة لا تنصف الذين خدموا سنوات طويلة ووصلوا إلى سقوف الرواتب كما أن تعويضات الانتقال تحسنت بصورة غير كافية أبدا ولا تناسب غلاء المعيشة في سورية. 

كما تضع التعديلات الجديدة تحديد نسبة الترفيع للعاملين بيد الوزير المختص مما يعني دخول الاعتبارات الشخصية وعامل القرابة واعتبارات قد لاتكون الكفاءة والنزاهة هي أفضل مافيها.

لقد شعر المتابعون لهذه التعديلات والموظفون المنتظرون له بخيبة أمل، وحمّل كل من التقيتهم تعبيره عن الصدمة الكبيرة وقالوا انهم وضعوا كافة البيض في سلة مجلس الشعب السوري الذي سيناقش المشروع قريبا وهو الذي سيكون الفيصل في هذا الأمر وبالتأكيد إذا لم ينصف العاملون فسيتحول الى مجرد مؤسسة بيروقراطية تمرر القوانين دون الأخذ بعين الاعتبار هموم الناس الذي اوصلوهم الى قبة البرلمان. 

وفي سياق ذي صلة قالت نشرة كلنا شركاء ان القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم في دمشق أبلغت النواب البعثيين في مجلس الشعب السوري بضرورة التصويت على مادة في قانون العاملين الأساسي الذي يجري تعديله في المجلس تعتبر خرقا للدستور.

والمادة موضوع الخلاف كانت تحمل في القانون السابق رقم 138 وأصبحت في التعديل الجديد تحمل الرقم 137 وتنص حرفيا على مايلي :«يجوز بقرار من رئيس مجلس الوزراء صرف العامل من الخدمة دون ذكر الأسباب التي دعت لهذا الصرف، تصفى حقوق العامل المصروف من الخدمة وفقاً للقوانين النافذة. كما أن قرارات الصرف من الخدمة، وفقاً لأحكام هذه المادة، غير قابلة لأي طريق من طرق المراجعة أو الطعن أمام أية جهة أو مرجع وترد الدعاوى التي تقام ضد هذا النوع من القرارات أياً كان سببها ولا يسمح باستخدام العامل المصروف من الخدمة بموجب هذه المادة، وذلك مهما كانت صفة هذا الاستخدام، إلا بقرار من رئيس مجلس الوزراء يجيز ذلك».

واشارت النشرة الى أن رئيس اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب د.فيصل كلثوم أستاذ وهو بعثي تناقش مطولا مع أعضاء مجلس الشعب حول المادة وقد توصلوا إلى نتيجة مفادها بأن المادة غير دستورية ولكن جاء قرار القيادة القطرية للنواب البعثيين بضرورة تمرير المادة وهذا ما أثار لغطاً وتساؤلات كثيرة عن الهدف من ذلك.

■  عن نشرة الحوار المتمدن تاريخ 16/6/2004

■  بهية مارديني 

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.