بصراحة: خطوة باتجاه استقلالية العمل النقابي
إن تداعيات الأزمة الوطنية العميقة سياسياً واجتماعيا ستكون واسعة وشاملة على مختلف طبقات المجتمع السوري بما فيها الطبقة العاملة السورية والحركة النقابية
حيث تأثرهما بما يجري من حراك سياسي واجتماعي واضح المعالم وخاصة مع امكانية انفتاح الأفق السياسي بعد الدستور الجديد الذي من المفترض أن يساهم بفرز المواقف والقوى السياسية والاجتماعية والذي يأتي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب السوري وإن كان هذا الفرز في بدايته والذي يجب أن يتعمق و يأخذ مداه إلى تحول جذري وعميق في المفاهيم والرؤى والتوجهات والاقتناع بأن سورية اليوم ليست سورية قبل عام من الآن وهذه التحولات بدأت تحفر لها مجرى في الحياة العامة والخاصة للأفراد والجماعات في مجتمعنا الناهض من سباته الذي غرق به لعقود من الزمن لأسباب خارجه عن إرادته المباشرة ولكن لها علاقة وثيقة بغياب الحريات العامة وتراجع دور الأحزاب والقوى السياسية عن العمل الجماهيري المباشر وتخلفها عن الاستجابة لما تطرحه الجماهير من مطالب وحقوق أساسية مرتبطة بكرامتها ولقمتها وحرية كلمتها وتوضح عدم الاستجابة تلك مع تبني اقتصاد السوق الاجتماعي وسيادة السياسات الاقتصادية الليبرالية المرافقة له التي لعبت دوراً مهماً في تحضير الحطب الضروري لإشعال الأزمة التي نحن فيها الآن، حيث كان الأمر يحتاج إلى مجابهة حقيقية لتلك السياسات لإيقافها أو على الأقل التخفيف من آثارها الكارثية إلى أدنى مستوى من التأثير وهذا كان ممكناً لولا الكوابح العديدة التي كانت تمنع من لهم مصلحة حقيقية في منع السياسات الليبرالية من السير قدماً في برنامجها الاقتصادي الاجتماعي وأهم هذه القوى هي الحركة النقابية، وللإنصاف فإن هذه الحركة قد مانعت تلك السياسات بالقدر الذي أتاحت لها شروط عملها ذلك، وكان ثمة العديد من المعيقات التي تحد من تطوير مواجهتها ومنها القالب الذي وضعت به تحت شعار نحن والحكومة فريق عمل واحد وشركاء لها في صناعة القرار حيث جعلها ذلك في تناقض واستعصاء كبيرين بين تمسكها بالشعار السابق وبين حقوق الطبقة العاملة المفترض الدفاع عنها وحمايتها، والتي اعتدت عليها قوى السوق بشكل سافر من خلال تبني الحكومة السابقة لجملة من الإجراءات والقوانين والمراسيم التي تلطت خلفها قوى السوق لتوجه نيرانها المعادية على الاقتصاد الوطني برمته، وعلى حقوق العمال باعتبار القضيتين متلازمتين ومن هنا فإن الدفاع عنهما من أولويات الموقف الوطني للحركة النقابية ولكن هذا الأمر يستلزم تأمين أدواته وفي مقدمة ذلك تعزيز استقلالية الحركة النقابية ومراجعة برنامجها النضالي وإعادة الاعتبار للعلاقة الوثيقة مع الطبقة العاملة من خلال تبني حقها المشروع باستخدام حق الإضراب والاعتصام والتظاهر وتكريسها كحقوق ثابتة لاتقبل الانتقاص أو المنع من استخدامهم خاصة عندما تسد أبواب الحوار مع أرباب العمل«الحكومة والقطاع الخاص» وكتأكيد على ما قلناه حول قضية الفرز الجاري ما جرى من وقائع أثناء انعقاد مؤتمر اتحاد عمال دمشق حيث كان هذا المؤتمر نقطة تحول في مفهوم العمل النقابي وديمقراطيته الذي من المفترض أن تسود في المجال النقابي والعمالي وخاصةً لجهة حرية التعبير والنقاش دون تدخل في سير أعمال المؤتمر الذي هو حق أعضائه ولا وصاية على هذا الحق من أحد وهذا ماتم فعلاً في المؤتمر حيث اثبت التوجه الديمقراطي حضوره الواضح خلال سير أعمال المؤتمر بالرغم من المحاولات التي جرت لتكريس ما كان سائداً في المؤتمرات سابقاً من تدخلات تمنع من تطوير المواقف التي تتقدم بها الكوادر النقابية وخاصةً ما يتعلق منها بمواجهة السياسات الليبرالية حيث التخوف من نتائجها كان وما زال كبيراً وهذه التخوفات كانت محقةً إلى حد بعيد وأثبتت الأزمة ذلك وأثبتت أيضا عدم صحة موقف من كان يدافع عن الحكومة السابقة والحالية في الحركة النقابية.
إن تكريس الحريات النقابية والديمقراطية كقاعدة ثابتة في العمل النقابي والعمالي هو المنطلق الحقيقي والواقعي للنهوض والسير قدماً تجاه خوض المعارك الوطنية في الدفاع عن الوطن وفي الدفاع عن حقوق ومصالح ومكتسبات الطبقة العاملة السورية ولا طريق آخر.