ازدياد تشغيل الأطفال والأحداث في سورية التسرب من المدارس نتيجة طبيعية لتشغيل الأطفال
■ لا مراقبة على الشروط الصحية لأمكنة العمل..
■11 ألف ليرة ثمناً لأصبع أحمد المقطوعة!
■ طفلة تبدأ بالخياطة وتنتهي بالدعارة
ثمة ظاهرة واضحة للعيان في شوارع المدن الكبرى في سورية، خاصة في مدينتي دمشق وحلب، وهذه الظاهرة هي كثرة الأطفال الذين هم دون السادسة عشرة، والذين يتم تشغيلهم بأعمال شتى بدءاً من النبش في حاويات المدن، إلى مهنة تنظيف الأحذية، والعمل في البناء والورشات والمعامل الصغيرة، البعيدة عن أعين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
فالقرار 182 الصادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، يمنع الأحداث الذين هم دون السادسة عشرة، من مزاولة حوالي سبع عشرة مهنة، يمكن أن تشكل خطراً عليهم، كصناعة الصابون والدباغة والطباعة وحلج القطن، أو تلك الأعمال التي تتم تحت الأرض، كالمناجم والمحاجر، فضلاً عن الصناعات الرصاصية والدهانات، كما أن الوزارة تؤكد ضرورة إجراء فحوص طبية دورية للأحداث العاملين مع تحديد ساعات عملهم، وضبطه حسب السن. ويفترض أن تتم هذه الإجراءات بشكل مستمر، تماشياً مع الاتفاقات الدولية والعربية الخاصة بهذا الشأن.
وبالرغم من هذه القوانين، فإن الظاهرة تزداد، وعشرات ومئات من الأطفال الأحداث، نراهم كل يوم، يعملون في ورش صغيرة، أو معامل، أو على أرصفة الطرقات، دون اية مراقبة، للشروط الصحية التي يعملون بها، ومن جانب آخر نلحظ أيضاً، استفحال ظاهرة التسرب من المدارس، كنتيجة طبيعية لتشغيل الأحداث، رغم القوانين الملزمة للأهالي، بضرورة تعليم أبنائهم، وإتمام المرحلة الإلزامية من التعليم على الأقل، وستزداد هذه الظاهرة استفحالاً بعد أن جعلت الحكومة مرحلة التعليم الإلزامي تنتهي مع نهاية الصف التاسع.
ولاشك أن الأكثرية الساحقة من هؤلاء الأحداث، قد دفعتهم الظروف المعيشية الصعبة إلى سوق العمل مما جعلهم خارج رعاية مؤسسات المجتمع والدولة، وأودى بهم إلى حالات عديدة من التشوه الجسدي والنفسي.
■ ■ (أحمد معتز) طفل لا يتجاوز عمره أربع عشرة سنة، ترك المدرسة من الصف السادس بعد أن قال له أبوه: «الآن أصبح معك شهادة» فعمل في بيع (ليف الحمام) في الشوارع ثم أخذ يبيع البقدونس في أحد أسواق دمشق، ومن ثم عمل عند صديق لأبيه في منشرة للخشب، وبينما كان يقص الخشب على المنشار الكهربائي قطع إحدى أصابع يده اليمنى وتم إسعافه إلى المستشفى. وبعد عودته إلى المنزل علم أن صاحب المنشرة، أعطى والد أحمد (11 ألف ليرة سورية) ثمناً لأصبع ابنه المقطوعة، كي لايرفع الوالد شكوى إلى التأمينات الاجتماعية.
أحمد يقول: «أطلب من جميع الأولاد أن لا يتركوا المدرسة، لأن العمل صعب، ففي الشتاء نموت من البرد، وفي الصيف نذوب من الحر، هذا عدا الضرب والبهدلة التي نتعرض لها كل يوم».
■■ الفتاة (د.س) يمكن أن تكون نموذجاً لما يجري في قاع المدينة من حالات تشوه تنتج عن تشغيل الأطفال والأحداث، وقد روت قصتها دون أي ارتباك قائلة:
«كان عمري 13 سنة لما عملت في ورشة خياطة في أحد الأحياء الشعبية، وكان مكان العمل قبواً، ونحن مجموعة من الشبان والشابات نعمل سويةً فيه، ولكل علاّقته ومكنته، فعملت (حوّيصة) أجلب قطع القماش لهذه المكنة أو تلك وأنظف الخيوط، حتى طلب مني صاحب الورشة أن أتفرغ لغلي الشاي والقهوة، وكان كلما غادر الورشة أو عاد مر بقربي وحاول لمسي، ومن ثم استدرجني إلى علاقة وطلب مني أن لا أخبر أحداً، وصار يعطيني نقوداً أكثر من أجري، وعندما طلبت منه الزواج، قال لي أن الظروف لا تساعده وأن عمله يخسر يوماً بعد يوم، ثم طردني من الورشة بحجة أنه سيغلقها.
عملت فيما بعد في أكثر من ست ورشات خياطة، وأصبحت أقيم علاقات مع أصحاب الورشات والشبان العاملين، وهاأنذا الآن ألتقط رزقي بهذه الطريقة».
الشواهد التي نعرفها في حياتنا اليومية، لا تقتصر على هذه الفتاة ولا على أحمد معتز، وما أكثر الأطفال الذين انعطفت حياتهم إلى أسوأ مما جرى لهذا الشاب ولهذه الفتاة، بعد أن قام آباؤهم بتشغيلهم. ومانجهله أكثر بكثير، عدا الانحرافات الأخرى التي تعرضوا لها، كتعاطي المخدرات والإتجار بها، وأعمال السرقة والإجرام، وكثيراً ما ينتهي أغلبهم إلى السجون والمصحات.