بصراحة نعم سيرفع الدعم!!

منذ عدة سنوات تدور نقاشات واسعة وتتلى تصريحات مختلفة عن تكاليف دعم الأسعار والخدمات التي تقدمها الحكومة والعبء الكبير الذي يقع على كاهل الخزينة نتيجة هذا الدعم، ولاسيما على بعض المواد الهامة كالمازوت والسكر والرز والخبز وغيرها من المواد الأساسية.

وهناك آراء متعددة حول هذا الموضوع تتراوح بين مؤيد ومعارض، والإشكالية أن الحكومة لا تنظر إلا بمنظار ما تقدمه للشعب ولا تنظر بمنظار ما تأخذه من الشعب، وهي تتبع أسهل الطرق وأقصرها لحل مشكلاتها في تأمين الموارد للخزينة العامة، فبدلاً من مواجهة قوى النهب الكبرى التي تنهب موارد الدولة، تتوجه إلى رفع الدعم عن المواد الأساسية المذكورة أعلاه لأن هذا الدعم يمس بشكل مباشر ذوي الدخل المحدود الذين تستطيع الحكومة أن تقوى عليهم.

فإذا كان وسطي الأجر في البلاد لا يتجاوز 6000 ل.س فهل يكفي هذا الأجر لدفع فواتير الدولة المستحقة (ماء ـ كهرباء ـ هاتف وغيرها من الضرائب المختلفة) وهل كلفت الدولة نفسها بإحصاء ما تأخذه من المواطن من ضرائب مباشرة أو غير مباشرة بدءاً من ضريبة الإنفاق الاستهلاكي وضريبة الدخل ـ إلى رسم صيانة عداد الكهرباء والماء ومروراً بضرائب النظافة والحراسة والحريق وغيرها من الضرائب المباشرة وغير المباشرة التي أرهقت كاهل أصحاب الدخل المحدود.

البعض يقول إنكم لا ترون إلا نصف الكأس الفارغ فالأجور زادت 100%، نعم هذه حقيقة، ولكن على ما يبدو أن أصحاب هذا الرأي لا يرون أيضاً إلا بعين واحدة هي عين زيادة الأجور، ولا يرون زيادة الأسعار المتكررة والتي زادت خلال هذا العام بنسب كبيرة تزيد عن نسبة زيادة الأجور . إن المناقشة الصريحة لهذه المشكلة تتطلب أن نضعها في نصابها الحقيقي فالقضية ليست من خلال الموافقة أو عدم الموافقة على رفع الدعم. بل من خلال الإجابة الصريحة والواضحة حول ماهية التوجه الاقتصادي للحكومة في المرحلة الحالية، ووفق أي من المعايير تنفذ سياستها الاقتصادية.

إن المتتبع للشأن الاقتصادي يرى بأن الحكومة قد فشلت إلى هذه اللحظة في معالجة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد وهذه نتيجة غياب الاستراتيجية الوطنية للإصلاح الاقتصادي فالحكومة مازالت تنطلق ببرامجها من خلال نصائح ووصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين مازالا يلعبان الدور الأساسي في إعادة هيكلية اقتصادنا الوطني وبأشكال مختلفة وعبر بوابات متعددة، بما يتلاءم مع ضرورات الانتقال من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق، أي من القطاع العام إلى القطاع الخاص.

وهذا الانتقال يجب أن يمر بمراحل متعددة لتحقيق الآثار الاجتماعية المدمرة الناجمة عنه.

ولهذا علينا أن نتعرف في البداية على النصائح التي تطرحها علينا بيوتات المال الغربية لإعطاء شهادة حسن سلوك للحكومات التي تنفذ هذه النصائح بشكل جيد فأهم البنود هي:

1. تجميد الأجور.

2. الانتقال من القطاع العام إلى القطاع الخاص أي خصخصة القطاعات الإنتاجية ووقف الاستثمارات في هذه القطاعات.

3. تشجيع القطاع الخاص وتقديم كافة التسهيلات له على حساب القطاعات الإنتاجية الأخرى.

4. رفع الدعم عن المواد التموينية وفق مقولة فصل الدور الاقتصادي للدولة عن الدور الاجتماعي.

5. تعويم العملة وتحرير الأسعار.

هذه أهم الشروط التي تضعها بيوتات المال الغربية للانتقال إلى اقتصاد السوق والتي تثبت من خلالها الحكومة مصداقيتها أو عدمها من خلال المدة الزمنية التي تنفذ من خلالها هذه التوجهات.

من هذه الزاوية يجب النظر إلى قضية رفع الدعم فهذه القضية مقررة ولا تحتاج إلى نقاش لأن التوجهات الاقتصادية تنطلق من رغبات الآخرين وليس من مصلحة المواطنين.

ولهذا نرى أن لا يكثر من النقاش حول هذا الموضوع لأنه يبعد الناس عن الانشغال في وضع الخطوات العملية لمواجهة مثل هذه المواقف.

فعلينا جميعاً أحزاباً ونقابات وشخصيات وطنية وقف هذا التوجه وليس نقاشه، مستخدمين كافة ا لأساليب العملية لمنع تمرير هذا التوجه الاقتصادي الذي يمس كرامة المواطن ويمس كذلك السيادة الوطنية بكل أشكالها...

 

■ سهيل قوطرش