انتخابات المعلمين بالقامشلي التفاف على التوجه الديمقراطي، وعجز واضح للقوى السياسية
في 19نيسان الجاري كان المعلمون على موعد مع انتخابات مجلس شعبة القامشلي للنقابة، وتميزت الدورة بمشاركة واسعة في مرحلة الترشيحات، لدرجة أن أكثر المتشائمين بادر إلى ترشيح نفسه، فيما كان الجميع يؤكد أن الانتخابات ستجري في جو ديمقراطي استنادا إلى تعميم القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي بمنع التدخل في العملية الانتخابية، وتطمينات كثيرة تؤكد الشيء ذاته من المكتب الفرعي بالحسكة مستندة إلى توجيهات المكتب التنفيذي، وعلى الرغم من حالة القلق التي انتابت العديد من المهتمين بالشأن خصوصا بعد تأجيل الانتخابات لمدة أسبوع، إلا إنه كانت ثمة تأكيدات بأن التأجيل جاء لأسباب فنية... وعلى كل حال بادر فرع حزب البعث في الحسكة إلى التدخل الفظ في الشأن الانتخابي، إذ فرض على المرشحين من أعضاء حزب البعث تقديم طلبات انسحاب ليترك الأمر لشعبة المدينة(المنحلة) لحزب البعث بالموافقة على انسحاب من تراه مناسبا وإبقاء من تراه مناسبا، ليكونوا ممثلي الحزب المرشحين للمجلس، وفسر الأمر على انه إجراء حزبي بحت يهدف إلى تجميع القوى في ظل المنافسة الجارية، وهو إجراء طبيعي من حق كل حزب القيام به.. ولكن ماهو غير طبيعي على الإطلاق، وما لايمت إلى المنطق الديمقراطي والانتخابي بصلة، بل ويتناقض مع تعميم القيادة القطرية آنف الذكر، هو تبني قائمة مغلقة عممت عشية الانتخابات، ومحاولة فرضها على المعلمين عبر أسلوبي الترغيب والترهيب، والضرب عرض الحائط بتعميم القيادة القطرية وتحديدا من قبل هيئات حزب البعث في شعبة مدينة القامشلي وفرع الحسكة، الأمر الذي تجلى بما يلي:
1 - إن مجرد تبني كتلة انتخابية، وكما تبين التجربة على مدى العقود الماضية، يعني أن النتيجة محسومة سلفا، وهذا ما أدى إلى عزوف مئات المعلمين عن المشاركة في العملية الانتخابية، ولا سيما بعد أن تبين أن القائمة المتبناة معروفة سلفا من المعلمين، وهي ذاتها القائمة التي كان يسوّق لها مجموعة من المرشحين خلال الحملة الدعائية، مما أثار غيظ المعلمين وإحساسهم أن هذه المجموعة دبّرت نفسها على حساب المعلمين، وأقنعت بعض الطامحين إلى خطب ود ّ الفرع الجديد بتبنيها .على أنها قائمة (الجبهة الوطنية التقدمية)، فما تفسير ورود أسماء ثلاثة من أقرباء أمين الفرع في القائمة؟
2 - إن جل الكتلة الحزبية التي تم تبنيها هم من مدراء المدارس أو الموجهين، وهذا يعني إنها قائمة أرباب العمل بمعنى من المعاني، وبينهم وبين صانعي القائمة تشابك في المصالح، والمعلمون تحت رحمتهم في ظل تفاصيل الدوام اليومي، وهذا ما ترك تأثيره خصوصا في الكثير من المدارس التي كان مدراؤها من المرشحين، والنقابي كما هو معروف يمثل مصلحة من جاء به.
3 - إن وجود أمين فرقة حزبية في كل مركز انتخابي، وممارسة بعضهم الرقابة بالأسلوب الأمني على رفاقه البعثيين، وعلى غيرهم إذا استطاع، والتأنيب العلني للمدير الذي لا يراقب معلميه، يعتبر انتهاكا صارخا للعملية الديمقراطية، وامتهان لكرامة المعلم، ودلالة على عدم ثقة القياديين برفاقهم من أعضاء الحزب، وهذا ليس انتهاكاً للديمقراطية فحسب، بل أمر يدعو إلى الوقوف عنده مليا، فالحزب المعني هو الحزب الحاكم الذي بيده مقاليد الأمور في جميع مفاصل السلطة في البلاد، وإذا كان لايثق بأعضائه، فكيف ستكون علاقته مع 20 مليون سوري؟؟
ورغم الاحتجاجات الكثيرة من المرشحين المستقلين أو وكلائهم، أو بعض الناخبين بمن فيهم أعضاء عاملون في حزب البعث على تلك التجاوزات، وبغض النظر عن الكلام المعسول ومحاولة تطييب الخواطر من المسؤولين الحزبيين، وعرض مسرحيات هزلية مفبركة كما حدث مع أمين الفرع في مركز صلاح الدين الانتخابي ومحاولة إظهار نفسه انه حامي حمى الديمقراطية أمام الناخبين وعضو المكتب التنفيذي لنقابة المعلمين، وما حدث مع مسؤول مكتب التربية في شعبة المدينة في مركز الحيداري إلا إن مسار الأمور لم يتغير الأمر الذي يؤكده استمرار أمناء الفرق وبعض مدراء المدارس في السلوك الشائن سابق الذكر فور مغادرة المسؤولين المركز الانتخابي وتبرير سلوكهم بأنهم ينفذون أوامر حزبية، وتأكيد العديد منهم إن ماتسمعونه من تصريحات مسؤولينا مجرد لعبة لا أكثر ولا اقل لقد كان الخاسر الأول في العملية بالمعنى السياسي هو حزب البعث، بدليل ردود الأفعال السلبية لجماهير واسعة من معلمي المدينة وذلك رغم نجاح القائمة التي تبناها، بعض مسؤوليه واستخدام الأساليب الشرعية واللاشرعية لإنجاحها واثبت سلوك القائمين على الأمر في شعبة مدينة القامشلي وفرع الحسكة (ولا ندري إن كان بضوء اخضر ممن هم فوق) إن الهدف لم يكن نجاح البعثيين، بل نجاح نخبة (أغلبهم ولا أقول الكل) من المستفيدين أصلا، ومحسوبين على أصحاب القرار في إطار تشابك المصالح أو الإطار العشائري، لتكون النتيجة هيئات نقابية لا تمارس الدور الرقابي المطلوب على مديرية التربية كرب عمل، وصامته تجاه ما يتعرض له جماهير المعلمين مثل كل ذوي الدخل المحدود في بلادنا جراء سياسات الحكومة في المجال الاقتصادي الاجتماعي ومنها التخفيض المستمر لحصة قطاع التعليم في موازنات الحكومة منذ سنوات، وحيادية تجاه التراجع المستمر لمستوى التعليم في البلاد - لقد حرصنا نحن المعلمين الشيوعيين المشاركين في العملية خارج إطار قوائم الجبهة أن تجري العملية بروح ديمقراطية تعزز الوحدة الوطنية التي نحن بأمس الحاجة إليها في الظرف السياسي الراهن مع التأكيد على ضرورة اختيار الكفاءات التي تتحلى بالجرأة والوعي ونظافة اليد والقادرة على الدفاع عن مصالح المعلمين بغض النظر عن انتمائهم الحزبي أو الديني أو القومي ومن هنا كانت مشاركتنا في صياغة قائمة ضمت الشيوعي، والقومي الكردي والبعثي، والمستقل، لتكون منافسة وطنية شريفة بعيدا عن العصبيات القومية والدينية والحزبية، مع ترك هامش للزملاء والزميلات لإضافة من يرونه مناسبا غير إن المفاجأة كانت في قرار البعض من قيادة فرع الحزب بسحب الرفاق البعثيين اثر قرار الانسحاب الجماعي الأنف الذكر، ومحاولة تشحين الأجواء قوميا أو حزبيا وبالتالي وضع القائمة في زاوية ضيقة وإلصاق التهم بها الأمر الذي لم ينطل حتى على الكثير من الإخوة البعثيين.... ورغم كل ماحصل ولقناعتنا.
إن الديمقراطية تنتزع، كان استمرارنا في العملية الانتخابية ومن هنا كان دفاعنا عن سلامة العملية الانتخابية، جنبا إلى جنب مع كل الشرفاء سواء كانوا حلفاءنا في العملية الانتخابية أو غيرهم ومواجهة حضارية لكل تجاوز للممارسة الديمقراطية ومن أية جهة كانت ولم نعول في ذلك على شيء سوى على حقنا كمعلمين ومواطنين سوريين من حقنا وواجبنا المشاركة تصويتا وترشيحا - من جملة ما أكدتها العملية الانتخابية أيضا بالإضافة إلى ماسبق هو عجز العديد من القوى السياسية عن تعبئة المعلمين بالشكل المطلوب وتعويل البعض منهم على الواقع الديمغرافي في المدينة دون التواصل والاتصال مع جماهير المعلمين، واستمرار المرض المزمن الذي تعاني منه الحركة السياسية في البلاد وهو عدم الاهتمام بالعمل الجماهيري المطلبي والاتكاء على الشعارات السياسية الكبرى فقط بقي أن أشير وكما أسلفت إن النقابي يمثل مصلحة من جاء به، فان مجلسا شكل بهذه الطريقة وباعتباره لم يأت نتيجة رغبة المعلمين واختيارهم الديمقراطي، فانه لايمثلني رغم اعتزازي بشرف الانتماء إلى هذه النقابة التي تشكلت بتضحيات كبيرة من الرواد الأوائل وكانت فعلا صوت المعلمين قبل أن يجعلها البعض إحدى ملحقات السلطة التنفيذية وإحدى قنوات إرضاء الإتباع، والأقارب.