بين وزيرة الشؤون الاجتماعية والقيادات النقابية: التأمينات، الأجور، و«الاكتوارية»... في حوار «ديموقراطي»

 عقدت يوم الأحد الموافق 15/8/2009 ندوة حوارية ضمت  الأطراف الثلاثة في العملية الإنتاجية: الحكومة ممثلة بوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، وأبرز القيادات النقابية في الاتحاد العام لنقابات العمال، ومجموعة من أرباب العمل لم يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة.

 

 بدأت الجلسة بحلقة نقاشية قدمها د.عيسى كفا، مدير التأمينات الاجتماعية في دمشق، قدم فيها جوانب من المشاكل التي تعانيها المؤسسة الآن، والتي ستزيد من أعبائها في السنوات القادمة. وتناول المحاضر التطور الديموغرافي وتأثيره على الاستدامة المالية للنظام من خلال انخفاض معدلات الخصوبة، وانخفاض معدلات الوفيات، وارتفاع متوسط الأعمار.

ثم شرح د.كفا أثر الزيادات المتلاحقة في الاستدامة المالية للنظام، والتغييرات الداخلية المؤثرة عليها، وقدم مثالاً توضيحياً عن عامل بدأ العمل في العشرين من عمره إلى انتهاء سنوات الخدمة، مستنداً إلى مجموعة من الأرقام (رفضها الاتحاد العام للنقابات) ليخلص من المثال باستنتاجات صبت كلها في نتيجة واحدة، وهي أن هناك عجزاً واضحاً بين ما يعطيه العامل وما يأخذه. ثم قدم د.عيسى في نهاية حلقته النقاشية مجموعة حلول مقترحة لم تثر إعجاب أحد!!

 وجهات نظر متباينة

أسامة عدي عضو القيادة القطرية، وبعد حديث قصير عن أهمية الدور الذي تلعبه مؤسسة التأمينات الاجتماعية في مسألة الضمان الاجتماعي، قال للحضور: «إن أهم ما في الموضوع أن لا ننطلق من مواقف مسبقة نتخندق خلفها، بل يجب مناقشة الموضوع بكل روية من أجل الحفاظ على دور المؤسسة واستمراريتها، وتحفيزها وتطويرها».

وأضاف عدي في نهاية كلمته: «أتمنى من الحضور مناقشة هذه القضية بعيداً عن الانتماء، لأننا نناقش مسألة رياضية بحتة، حتى نحدد تعديلات أو تشريعات جديدة بدلاً من الموجودة»

وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل قالت في بداية حديثها: «إذ لم يصل المجتمعون إلى قناعة بعد هذه الندوة فإن الملف سيغلق تماماً، ولن يتم تناول الموضوع من أي شخص إلا بناءً على طلب النقابات». وأضافت الوزيرة: «على الجميع أن يعلم أن هناك مشكلة حقيقية تعاني منها التأمينات شئنا ذلك أم أبينا، من خلال قرارات إدارية صدرت عن الحكومات المتعاقبة لم تأخذ بعين الاعتبار وجود بعض الأعباء المالية كان يجب أن لا تتحملها مؤسسة التأمينات» ثم تحدثت الوزيرة عن موضوع التوريث متسائلة: لماذا تورث المرأة للدرجة الرابعة، في حين أن الرجل لا يحق له ذلك؟!

غسان القلاع رئيس غرفة الصناعة والتجارة قال: إن أكبر أخطاء المؤسسة هي وضع أموالها بصندوق الدين العام دون أن تحركها في العملية الإنتاجية، وهذا ما  أوصلنا إلى الحالة التي أشارت إليها المحاضرة، مع العلم أن شركات التأمين لديها دائماً الفرص الكامنة للانطلاق نحو الأفضل. أنا مع زيادة دخل العامل بعد سن التقاعد، لأن هذا العامل بحاجة إلى مصاريف إضافية في سن الشيخوخة جراء الأمراض التي قد يتعرض لها. المشكلة الأخرى هي أننا حتى الآن لم نستطع أن نفصل في وعينا الإدارة عن الاستثمار. إن مؤسسة التأمين يجب أن يكون لها مجلس مستقل يدير أموالها، لأن هذه الأموال بحاجة للتحريك والتشغيل في العملية الاقتصادية، لقد جاء في الحلقة النقاشية أن هذه الأموال هي خاصة وتدار بإدارة عامة، والسؤال هل تم التعامل مع هذه الأموال ضمن هذا التعريف؟!

شعبان عزوز رئيس اتحاد نقابات العمال في سورية، وقبل البدء بمداخلته وجه سؤالاً مهماً للوزيرة: هل يوجد بين الحضور من هو خارج عن إطار مواطني الجمهورية العربية السورية، وأقصد هل من خبراء «اكتواريين» بيننا؟!! (الخبير الإكتوراي هو مفكر متعدد المواصفات الاستراتيجية المتمرس في النظريات والتطبيقات في علوم الرياضيات والإحصاءات والاقتصاد).

إذا لم يكن هناك أحد من هؤلاء فأنني سأبدأ من النقطة التي اختتم بها الحديث الأستاذ غسان القلاع، وأنوه لكلام الوزيرة وأطلب منها تصحيح ما قالته في الورقة التي وزعت علينا، حيث ورد فيها حديث عن القرارات الإدارية الخاطئة المتعلقة بمنح الزيادات الدورية للمتقاعدين، وتوريث المعاش التقاعدي، ويبدو من خلال العرض أن هذه القرارات قد صدرت بمراسيم، وقد اعتبرها الاتحاد العام مكرمات، إذاً فهي ليست قرارات خاطئة يا سيادة الوزيرة، إننا في الاتحاد العام نعتبر أن كل من هو في الإطار الوطني ضمن هذه المعادلات، ومن خلال العرض الذي قدمه مدير فرع دمشق للتأمينات يتوضح أن هناك خللاً، لكن من خبرتنا في الاتحاد ومعرفتنا بمصادر هذه الأموال نعرف أنها دخلت صندوق الدين العام وشاركت في الخطط التنموية للدولة، وعندما أثير الموضوع في مجلس الشعب عام 2003 بعد أن تم قطع حسابات ذاك العام، كان هناك /54/ مليار للتأمينات الاجتماعية دخلت كموارد للخزينة العامة، وعندما أكدنا أن هذه الأموال خاصة ولابد من أن ترجع للتأمينات، كان الرد من رئيس مجلس الوزراء حينها إن الدولة تتضمن المؤسسة.

 إضافة إلى أنني علمت من مجلس الإدارة أن هناك ديوناً على المؤسسات تقدر قيمتها بـ/70/ مليار ل.س، وهذا يعني أن المؤسسة تملك /124/ ملياراً مما اقتطع من العمال ومن أرباب العمل في كلا القطاعين، وهذا هو الأساس في الانطلاق إلى النقاط التي تم الإشارة عليها في البحث المقدم الآن، ففي الشهر الثالث من العام 2009 كلف رئيس مجلس الوزراء لجنة مؤلفة من وزير المالية ووزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ورئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية، أنيطت بها مهمة بلورة إعادة الديون المستحقة لمؤسسة التأمينات الاجتماعية على الجهات العامة أو الخاصة.

 أما فيما يخص توريث المرأة، فإن القانون وقتها كان واضحاً حيث بين أن ذلك التوريث لا يكون إلا في حالة عدم وجود ورثة، خاصة وأن الكثير من الأخوات العاملات لا يتزوجن ويقطع منهن المعاش التأميني، والسؤال: ما هو ذنب هذه العاملة التي دفعت على مدار ثلاثين أو أربعين سنة معاشاً تقاعدياً ومن ثم توفيت، ومن هنا جاءت مسألة الدرجة الرابعة أو الثالثة، إن ما أشيع خلال الفترة الماضية عن هذه المسألة خلق إرباكات لنا ولمؤسسة التأمينات، بعد ارتفاع نسب المطالبين بالتقاعد المبكر.

 حوار ساخن بين الوزيرة والكوادر النقابية

هدى مليحي: إن مؤسسة التأمينات الاجتماعية تساهم في الدخل القومي بما يقدر بنحو مليار دولار سنوياً، وهذا يعني بالضرورة استعادة جميع ديون المؤسسة على الجهات الأخرى للاستفادة منها واستثمارها بشكل أمثل لأن المستفيد الوحيد أصبح شركات التأمين فقط، لذا لابد من إيجاد الطرق السليمة في استثمار هذه المبالغ وكيفية تشغيلها، لأن من المؤسف أن تكون صناديق عادية أقوى من صندوق التأمينات.

وزيرة الشؤون الاجتماعية: إن كل الأحاديث تتمحور حول الدراسات الاكتوارية التي قمنا بها، وكل ما في الأمر أن البنك الدولي قدم منحة من أجل صندوق الحماية الاجتماعية بلا مقابل، فلماذا نرفضه لمجرد أن الذي أعطانا إياه  اكتواري! ثم لماذا كل هذه الحسابات فلو جاءت المنحة من أي مكان، فإن المعادلة ستكون هي نفسها، سواء في البرازيل أو الاتحاد السوفيتي أو الهونولولو، لأن الذي جاء هو  خبيرة بولونية ليس لها أية علاقة بالبنك الدولي، وكل ما في الأمر أنها من رابطة الخبراء الاكتواريين في العالم، الذين لا يتجاوز عددهم /110/ خبيراً، فالخبيرة درست مداخلات مؤسسة التأمينات من خلال أرقامنا الرسمية، وكل ما في الأمر أننا اقترحنا بعدها فكرة بخصوص المشتركين الجدد، فبدل أن تكون النسبة /2.2/ تنخفض إلى /1.8/ مثلاً، شريطة أن تكون هذه النسبة أفضل من سابقتها حسب الظروف، لأن القانون اعتمد الزيادة الدورية للأجور وذلك كل سنتين مرة، وكل ما في الأمر أنها مجرد فكرة فقط.

حسين الأحمد: عفواً، النسبة /2.5/ وليست/2.2/.

الوزيرة: /2.5/ أو/ 2.10/ أو /2.100/ أو /2.1000/ ليس مهماً، المهم أننا طرحنا الفكرة، وتعالوا يا نقابات لنناقش الموضوع سوية، لكن يجب الاعتراف بوجود مشكلة إلا إذا كانت النقابات تريد إخفاءها، والسؤال هل نتحاور معاً أم نغلق الملف نهائياً؟!

الأحمد: لو سمحت يا سيادة الوزيرة، أنت تحدثين ونحن منذ البداية نستمع إليك، فدعينا نرد عليك نقطة نقطة، أولاً: بالنسبة لموضوع السكن جاءك كتاب ووقعت عليه من رئيس مجلس الوزراء، ويقول الكتاب إن السكن من مهمات المؤسسة العامة للإسكان، وليست من مهمة المؤسسة العامة للتأمينات، والكتاب مازال موجوداً عندك.

الوزيرة: أنت تتحدث عن قضية مختلفة عن قضية الصندوق الاختياري.

الأحمد: الصندوق موجود وفيه الملايين من الليرات منذ الثمانينات.

الوزيرة: هناك فرق بين أن نجمع الأموال وبين أن نبني للعمال، فهذه الاشتراكات من مهمة مجلس الإدارة.

الأحمد: إن أي عمل تقوم المؤسسة به إذا لم تكن الغاية منه مصلحة العامل وتقديم خدمة له فهو عمل غير مقبول بالنسبة لنا كمشتركين، إلا إذا كنت تتحدثين عن الاستثمار، أما نحن فنتحدث عن المزايا التي سنحققها للمشترك، وهذا هو لب الموضوع. لأن مشكلة توريث المرأة العاملة ليست مشكلة أساسية بل هي مشكلة ثانوية، وأنا هنا أصر على أهم نقطة في الموضوع، وهي أن الدولة هي التي تتحمل المشكلات التي تعانيها المؤسسة شئنا أم أبينا، رضينا أم لم نرض، لأن الدولة ومنذ أكثر من ثلاثين عاماً تنظر إلى المؤسسة كجابي أموال مهمته توريد هذه الأموال إلى خزينة الدولة، وتعاملت معها على هذا الأساس.

لقد كانت ديون المؤسسة على مؤسسات القطاع العام تبلغ  /50/ ملياراً في عام 1980، وتأتينا الوزيرة الآن بدراسة اكتوارية في العام 2010 تقول أن هذه الديون مازالت قيمتها /50/ ملياراً بعد كل هذه السنوات، هذا الكلام مرفوض يا سيادة الوزيرة لأنه بني على أسس غير صحيحة، فأية دراسة بمداخل خاطئة ستصل إلى مخارج خاطئة.

سأبني على حديثك حتى النهاية، لأنني كنت حاضراً لجميع الندوات التي خصصت لمؤسسة التأمينات. ولابد من القول إن الندوة الأولى التي حضرتها في رئاسة مجلس الوزراء قال فيها السيد النائب الاقتصادي عبد الله الدردري، وبالحرف الواحد: «هذا قرار حكومي ونحن صانعو القرار وسوف نتخذ القرار ونرفعه للقيادة، وهي صاحبة القرار بنعم أو لا». وأنت كنت حاضرة في الندوة.

 (الوزيرة تحاول مقاطعته)

الأحمد: يا سيدتي، أرجو منك أن تسمحي لي بالاستمرار.

الوزيرة: أنا هنا أدير الندوة وأطلب منك التوقف عن هذا الموضوع، والكلام عن المداخلات التي نتحدث عنها.

الأحمد: أولاً الفريق الذي تم اختياره من قبلك لم يلتق بأعضاء مجلس الإدارة على الإطلاق، فذهبنا إلى الندوة كأعضاء لمجلس الإدارة دون أن يعرض علينا شيء، مثل الذي ذهب إلى الحرب ولا يعرف لأجل ماذا.

الوزيرة: أرجوك يجب تحديد النقاش.

الأحمد: الدراسة جاءت بشكل خاطئ تماماً، لأن /50/ مليار في التسعينات لا تحسب بالعام 2010 هكذا.

الوزيرة: يبدو أنك لا تعرف كيف تصوغ جملك وأحاديثك.

الأحمد: قد يكون ذلك صحيحاً لأنني لست خبيراً اكتوارياً، لكنني أعلم أن الدولة تتحمل كامل المسؤولية عن الوضع المتردي للمؤسسة.

الوزيرة: أنا خبيرة وأفهم ما أقوله، وهذه ليست طريقة للحوار، الدارسة ليست لها علاقة بالديون والأموال، بل نقول إننا نأخذ اشتراكات بمقدار كذا وعلينا التزامات بمقدار كذا، وما هو عدد المشتركين المتوقعين وما هو عدد المتقاعدين المتوقعين، بصرف النظر إن وجدت مصادر للتمويل أو لم توجد، أو بوجود ديون أو دونها، لأن الديون مهما قدر حجمها فلن تفي بالغرض.

الأحمد: يا سيادة الوزيرة، يبدو أنك تحاولين فرض الحلول التي ترينها صحيحة، لأننا نرى بأن حجم المشكلة ليس كما تقولين، بل تتعلق بالتزامات الدولة نحو هذه المؤسسة، مع أنني لا أنكر المشاكل الأخرى الموجودة، لكن يجب أن يفهم الجميع أن مؤسسة التأمينات الاجتماعية هي الضمان، وهي بيت الأمان الوحيد للاتحاد العام لنقابات العمال، لذلك فإننا أكثر حرصاً عليها، وانهيار المؤسسة هو بمثابة انهيار المجتمع كاملاً، وعندما نصر على هذا الموقف فهو من منطلق خوفنا عليها، وإذا كانت الإصلاحات باتجاه هذه المؤسسة حقيقية، فيجب أن تلزم أولاً الدولة بكل التزاماتها تجاه المؤسسة كخطوة أولى باتجاه الحل، لا أن نمسك القضية بالمقلوب، واعتبار مسألة توريث المرأة كبرى المشاكل، ونترك الـ /120/ ملياراً دون نقاش.

الوزيرة: أن هذه الطريقة في الحوار ليست صحيحة، وقد أسأت لي بحديثك، فأرجو أن تسحب كلامك عن فرضي للشروط، لأنه كان بإمكاني بكل بساطة  الانسحاب من الاجتماع، مثلما انسحب الآخرون منه.

يوسف فرحة: إن عدد العمال المنتسبين لمؤسسة التأمينات الاجتماعية حسب إحصائيات الاتحاد العام لنقابات العمال زادبنسب ضئيلة إلى حد ما، فإذا أخذنا مثلاً الزيادة بين أعوام 2005 ـ 2008 سنجد أنها حوالي /100/ ألف عامل، لكن عدد عمال القطاع الخاص قد ارتفع في تلك الفترة من مليون ونصف إلى مليوني عامل، فعمال القطاع الخاص أربعة ملايين عامل، ويجب إيجاد صيغة مناسبة مع أرباب العمل لتنسيبهم للمؤسسة، وإذا نظرنا إلى موارد المؤسسة خلال السنوات الأربع الماضية فسنلاحظ أن الإيرادات في عام 2005 كانت حوالي /14/ ملياراً، بينما النفقات من الرواتب التقاعدية وإصابات العمل وغيرها بلغت/9/ مليارات، أي أن الفائض /5/ مليارات، وفي عام 2006 كانت الإيرادات /17/ ملياراً وبلغت النفقات حوالي /13/ ملياراً، يعني الفائض /7/ مليارات هذا مع العلم أن النسب التأمينية في سورية هي من أقل النسب في العالم خاصة بالنسبة لأرباب العمل، ففي كل أوروبا لا يقل اشتراك أرباب العمل عن /34%/ وبالتالي بإمكانهم تغطية الضمان الصحي المتطور.