عادل ياسين عادل ياسين

مطالب مشروعة للحرفيين... ولكن من يستجيب؟!

يعد النشاط الحرفي من أهم الأنشطة الاقتصادية من حيث الإبداع المهني والتنوع الواسع في الإنتاج، فهو يشكل حلقة وسيطة بين الإنتاج الآلي الواسع، كما هو في المعامل والمنشآت الصناعية الكبيرة التي تعمل على مبدأ تقسيم العمل وتسلسله على خطوط الإنتاج،

وبين الحرف اليدوية التي كانت ومازال الكثير منها سائداً في المدن والمناطق إلى فترة زمنية قريبة، مثل صناعة السجاد اليدوي والحفر على الخشب وصناعة الزجاج والجلود والنسيج، وغيرها من المهن التي اكتسبت سورية بسببها شهرة واسعة لجودة وجمالية صناعتها اليدوية منذ فجر التاريخ، إلى أن بدأت تلك الحرف تتآكل وتتساقط الواحدة تلو الأخرى بسبب عوامل كثيرة اجتماعية واقتصادية، ولكن العامل الأهم في ذلك هو إهمال الحكومات المتعاقبة وعدم دعم أصحاب تلك الحرف بالحفاظ على هذه الصناعات التي هي جزء من ثقافتنا الوطنية وحضارتنا التي صنعها شعبنا بعرقه ودمه، وحافظ عليها لقرون طويلة، لدرجة أنها طبعت سورية بطابعها وأخذت جزءاً من اسمها، كما هي حال صناعة الزجاج والنسيج التي اشتهرت بها دمشق فسميت بعض المنتجات باسمها كالقماش المسمى (دامسكو).

ما نود قوله وتسليط الضوء عليه بهذا الخصوص، هو الواقع الذي تعيشه الآن الصناعات الحرفية ويعيشه الحرفيون، وما يتعرضان له منذ عقود وحتى الآن، من حصار وتضييق حقيقيين بشتى الوسائل والطرق التي دفعت الكثير من أصحاب الحرف لإغلاق منشآتهم الحرفية وتحولهم إلى عاطلين عن العمل، ملتحقين بذلك بجيش العاطلين عن العمل الذي اتسع قوامه في الأعوام العشرين الأخيرة، بسبب النهج الاقتصادي الليبرالي الذي أخذ يدمر كل ما له علاقة بالاقتصاد الحقيقي، الصناعي والزراعي، لتتسع بالتالي كل أشكال النشاط الاقتصادي الريعي الذي يحقق أرباحاً طائلة دون تكاليف حقيقية أو مردود حقيقي يعكس نفسه على نسب النمو التي تؤدي إلى تنمية حقيقية تساهم في حل الأزمات الاجتماعية الاقتصادية المستعصية.

لقد لعبت تلك السياسات الليبرالية الدور الأساسي في ضمور الصناعات الحرفية الأساسية، وهذا ما أشار إليه تقرير المؤتمر السنوي الأول للتنظيم الحرفي في العام 2011، حيث أكد على تأثر الصناعات الحرفية مثل الموبيليا والتريكو بسياسة فتح الأسواق على مصراعيها أمام البضائع الأجنبية، وخاصة الصينية والتركية منها، ومنافسة تلك البضائع للمنتجات المحلية للحرفيين بسبب أسعارها المنافِسة، الرخيصة بالنسبة للبضائع المنتجة محلياً والتي تكاليفها الإنتاجية عالية بسبب الضرائب الكبيرة التي يدفعها الحرفي، وارتفاع أسعار استجرار الطاقة، بالإضافة للضرائب المتعددة المفروضة على فواتير الكهرباء وغيرها الكثير من التكاليف الإضافية التي تجعل المنتج المحلي للحرفيين غير قادر على المنافسة مع ما هو مستورد من بضائع من الخارج.

لقد طالب الحرفيون في مؤتمرهم هذا بضرورة تخفيف الضرائب عن كاهل صناعاتهم، حتى تساهم بدورها في دعم الاقتصاد الوطني وحل المشكلات الاجتماعية مثل البطالة والفقر اللذين ارتفعت نسبتهما إلى حدود خطيرة، تهدد بتفجير الكثير من القضايا الاجتماعية التي أخذ المجتمع يلمسها ويستشعر خطرها الحقيقي عليه.

لقد لعب الحرفيون دوراً وطنياً يسجَّل لهم في مرحلة الحصار الاقتصادي الذي فُرِض على وطننا في التسعينيات من القرن الماضي، حيث فرض الحظر على توريد قطع التبديل للآلات العاملة على خطوط الإنتاج، وكاد أن يتوقف الكثير من تلك الخطوط الإنتاجية بسبب ندرة قطع التبديل لها، ولكن الحرفيين تصدوا لهذه المهمة الوطنية الكبرى، وساهموا بخبراتهم المهنية في تصنيع تلك القطع التبديلية وخاصة لمصانع النسيج التي خطوط إنتاجها الأساسية مستوردة من شركات غربية، وبهذا ساهموا في إنقاذ الاقتصاد الوطني من كارثة حقيقية كادت تؤدي إلى إيقاف العملية الإنتاجية، وكلنا يعلم المخاطر الحقيقية التي كانت ستترتب على ذلك سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وإزاء هذا الفعل الوطني الكبير الذي قام به الحرفيون، قدمت لهم الحكومات المتتالية " مكافآت مجزية " من فرض الضرائب وإغلاق وهدم منشآتهم دون تعويض حقيقي يؤمن لهم البديل لكي يستمروا بدورهم، حيث شُرِّد الكثير منهم بسبب ذلك، وأصبحوا عاطلين عن العمل، ففي دمشق وحدها بلغ عدد المنشآت التي هُجِّر أصحابها بسبب الهدم ما يقارب الـ100 منشأة في منطقة كفرسوسة وعقدة عين ترما.

إن الدفاع عن الصناعات الحرفية مهمة وطنية تقع على عاتق كل القوى الوطنية الشريفة في هذا الوطن، كما هي الحال في الدفاع عن مصالح وحقوق الطبقة العاملة السورية، ولا يمكن الفصل أبداً بين النضال السياسي المُطالب بالحقوق العامة والنضال الاقتصادي في مواجهة السياسات الاقتصادية الليبرالية التي أوصلت البلاد والعباد إلى ما وصلت إليه الآن من تذمر واستياء واحتجاج بكل أشكاله وأنواعه، للمطالبة بالحقوق المشروعة التي جرى الاعتداء عليها.

إن أهم المطالب التي عبر عنها الحرفيون في مؤتمرهم هي:

ـ الحماية الحقيقية للمنتجات الصناعية للحرفيين من البضائع الأجنبية.

ـ تخفيض الضرائب المفروضة على الحرفيين.

ـ تخفيض أسعار الطاقة وإلغاء كل الضرائب المضافة.

ـ تعويض الحرفيين الذين تهدمت منشآتهم تعويضاً مجزياً، وتأمين البديل لهم كي يستمروا في صناعتهم الحرفية.

ـ منح قروض للحرفيين لتطوير منشأتهم وتحسين أدواتهم بشروط ميسرة وبفوائد منخفضة.

آخر تعديل على الجمعة, 14 تشرين1/أكتوير 2016 19:14