قرارات نقابية هامة.. ولكن دون تنفيذ؟!

في فترة الحصار الاقتصادي والسياسي التي شهدها وطننا في الثمانينات لعبت الحركة النقابية دوراً مهماً في مواجهة ذاك الحصار الظالم على شعبنا معبرة بذلك عن دورها الوطني الفعلي في الدفاع عن الوطن والمساهمة في حمايته من أعدائه الخارجيين والداخليين، ولمواجهة ذلك الحصار بادرت الحركة النقابية بالدعوة إلى مؤتمر يضم كل الفعاليات السياسية والاقتصادية الوطنية للخروج بتوجهات علمية الأساس فيها مصلحة الاقتصاد الوطني ومصالح الشعب السوري بطبقاته الشعبية الفقيرة كرد على عمليات الحصار التي كان يراد منها إخضاع شعبنا لشروط القوى المعادية الامبريالية والقوى الرجعية المتحالفة معها، مؤكدة بهذا السلوك على الدور الأساسي في عملية المواجهة تلك للقطاع العام وخاصة الصناعي وتعتبره قاطرة النمو الأساسي وأنه لا بد من عملية إصلاح شاملة لهذا القطاع، حيث لعبت البرجوازية البيروقراطية والطفيلية الدور الأساسي في عرقلة تطوره وبالتالي الحد من دوره المنوط به كما جاء في مقدمة التقرير الصادر عن مؤتمر الإبداع والاعتماد على الذات.

ويلاحظ أن إبراز أوجه الخلل التي أصابت التوازنات الاقتصادية وأفرزت بعض الصعوبات الاقتصادية، تجسدت في نمو القطاعات الخدمية بمعدلات تفوق معدلات نمو القطاعات السلعية وزيادة الإنفاق الإجمالي بشقيه الاستثماري والاستهلاكي بوتائر عالية، وزيادة الاعتماد على القروض، والمساعدات الخارجية في تمويل الاستثمار، وبالتالي برزت فجوة بين الاستثمار والادخار المحلي، وزيادة الاستيراد بمعدلات أكبر من زيادة التدفقات المادية المقابلة لها، كما أن عدم التناسب الكمي والهيكلي كان واضحاً بين الاستثمار والناتج المحلي بسبب التشتت في توزيع الاستثمارات وعدم توظيفها كما يجب، سواء من حيث الطاقات وبرامج ووتائر التنفيذ، أو من حيث التوسع في الاستثمار بما يتلاءم مع الطاقات الاستيعابية للقطر، وتركيز الاهتمام على حجوم الاستثمار ورفع معدلاته، دون عناية كافية باختيار أشكال الاستثمار وأساليب الإنتاج المؤدية إلى الاقتصاد في الإنفاق الاستثماري القادر على خلق فرص أكبر للعمل المنتج، والمجزي، وتحقيق أقصى إنتاجية من العمل، وأقصى ربحية للأموال المستثمرة.
كما تابع التقرير في مقدمته ذاكراً إنّ: الاعتماد على الذات هو التطبيق الفعال والخلاق للقوانين التي تقود إلى بناء مجتمع التقدم والاشتراكية، وخاصة القوانين التي تحكم العلاقة بين مستوى تطور القوى المنتجة، وعلاقات الإنتاج السائدة. وبهذا فإن الحركة النقابية من خلال ما تقوم شخصت تشخيصاً دقيقاً واقع الخلل الأساسي في الاقتصاد السوري وطرق الخروج منه، ولكن لم يكن ذاك كافياً رغم أهميته لأن تشخيص المرض ومعرفته يشكل نصف الطريق إلى الحل والنصف الآخر كان يحتاج لتحقيقه موازين قوى فعالة على الأرض تستطيع التصدي لتلك التوجهات التي أوصلت الاقتصاد الوطني إلى النقطة الحرجة التي نحن بها وأعطت فرصاً كبيرة لنمو قوى السوق الكبرى التي تقود الآن برنامج يعزز تبعية الاقتصاد السوري ويربطه باقتصاديات الدول الامبريالية عبر مشاريع الاستثمار الواسعة التي دفع إليها الفريق الاقتصادي باعتبارها خشبة الخلاص التي ستضع الاقتصاد الوطني على سكته الصحيحة بعد أن كان منحرفاً عنها باعتماده على التخطيط المركزي الذي يتنافى مع روح العصر، ويتنافى مع روح المبادرة وتجعله أسير الخطط والأفكار المسبقة.
إن الحركة النقابية مطالبة وهي الآن على أبواب انتخابات نقابية جديدة أن تؤكد على ما اتخذته سابقاً من مواقف وتوجهات وخاصة فيما يتعلق بمسار الاقتصاد السوري وانعكاسات ذلك على المستوى المعيشي للطبقة العاملة الذي أكَّدَت عليه كل الكوادر النقابية بمختلف مستوياتها، بأن المستوى المعيشي للطبقة العاملة ينحدر يوماً بعد يوم في ظل غلاء الأسعار وتدني الأجور وغيرها من الإجراءات التي لا علاقة لها بمصالح الطبقة العاملة وحقوقها ومكاسبها، وإن الاكتفاء بترديد نحن والحكومة شركاء، ونحن والحكومة فريق عمل واحد، لا يمكن أن يخلق الشروط الكافية واللازمة لعملية المواجهة لتلك الإجراءات وأهمها رفع الدعم عن المشتقات النفطية والزراعية والتي أشار إليها رئيس الجمهورية بخطاب القسم،  وسيجري الالتفاف على سقوط قرار رفع الدعم بأشكال أخرى تحت شعار وصول الدعم لمستحقيه عبر قسائم، أو تعويض مالي محدد.
إن المطلوب الآن الاعتماد على الطبقة العاملة السورية أكثر في عملية الدفاع عن القطاع العام، وخاصة الصناعي منه، وتخليصه من عمليات النهب والفساد التي أنهكته وأضعفت إمكانياته إلى حد بعيد، كما أكد على ذلك مؤتمر الإبداع والاعتماد على الذات حيث قال:
«إن توطيد وتوسيع ودعم القطاع العام، وربطه بمصالح أوسع الجماهير الشعبية هو الطريق الأساسي لتلبية حاجات التطور الموضوعية، وهو الذي يربط الأهداف العامة الوطنية بالأهداف الشعبية الطبقية. ومن ثم لا بد أن يتجسد الحل الصحيح، والمعالجة السليمة لصعوبات القطاع العام بإبراز أفضليات القطاع العام أكثر فأكثر».