بصراحة ... وتستمر الخسارة...!!

ذكرت صحيفة كفاح العمال الاشتراكي الناطقة باسم الاتحاد العام لنقابات العمال في عددها قبل الأخير أن هناك سبعين شركة منهارة وخاسرة ومتوقفة في القطاع العام من أصل مائة شركة، والحبل على الجرار، وبالتدقيق بحجم الخسائر المعلن عنها نتبين حجم الكارثة التي أصابت الاقتصاد الوطني ومصالح العمال الذين أصبحوا مهددين بلقمة عيشهم، بسبب عدم قدرة تلك الشركات المخسرة والمنهارة على دفع أجور عمالها، كما هو الحال في بعض الشركات الهندسية والكيميائية والإنشائية، وكذلك في الصناعات النسيجية التي تحولت من صناعة إستراتيجية توازي صناعة النفط في إسهامها بالدخل الوطني، إلى صناعة غير إستراتيجية وخاسرة وفقاً للبيانات الصادرة عن إدارات الشركات.

لقد ساد هذا الوضع، وأصبح السمة العامة التي يتصف بها القطاع العام، وخاصةً الصناعي منه، ولكن هذا يجب ألا يدفعنا للاعتقاد بأن هذا الوضع يستعصي على الحل، فهناك إمكانية حقيقية لإعادة استنهاض تلك الشركات، ولكن ما يمنع ذلك ليس ضعف الموارد والإمكانيات كما يدعي الفريق الاقتصادي دائماً، وإنما الموقف الذي يتخذه ذلك الفريق من القطاع العام ودوره الاقتصادي، وهو الموقف الذي يمنع تنفيذ عملية الإصلاح التي يجرى تداولها منذ ثماني سنوات، حيث عقدت لأجلها المؤتمرات، وأنجزت الدراسات، وطلب من النقابات أن تقول رأيها فيها، لاستكمال المشهد الديمقراطي الذي تمثله الحكومة عند اتخاذها للقرارات المصيرية المتعلقة بمصالح العمال والفلاحين، حيث تستدعي ممثليهم ليعبروا عن آرائهم بما هو مطروح، وبعد ذلك تستفرد بتنفيذ ما تمليه عليها برامجها وتوجهاتها.

إن الكثيرين لا يزالون غير مقتنعين بأن ما يحكم عمل الحكومة هو برنامج عمل متكامل، اجتماعي واقتصادي، يستند في جوهره إلى إيديولوجية الليبرالية الجديدة التي تقضي بأن يسود القطاع الخاص في الاقتصاد، وأن يقتصر دور الدولة على أداء مهمة شرطي مرور ينظم السير والعلاقة بين الطبقات لكي يمنعها من التصادم فيما بينها، ولكن هذه الإيديولوجية قد سقطت في الهاوية، بعد الأزمة الاقتصادية التي يشهدها النظام الرأسمالي على الصعيد العالمي، ورغم ذلك فإن الفريق  الاقتصادي مازال متمسكاً بها بقوة، وهذا يتبين من خلال ما طرح في ميزانية 2009 من أموال للاستثمار، واتجاهات هذا الاستثمار، فالأساس في التوجهات الحالية هو الاستمرار في ما تم البدء به سابقاً من سياسات ليبرالية رغم كل ما يجري حولنا من كوارث أصابت اقتصاديات البلدان ومستوى معيشة الشعوب التي أصبحت مهددة  بالجوع الحقيقي الذي بشر به مالتوس والمالتوسيون الجدد.

إن التصدي للمهام التي تطرحها عملية الإصلاح لا يكون بالأساليب التقنية والمالية فقط، كما يحاول الكثيرون الإيحاء بذلك، بل إن الحل بالمقام الأول هو حل سياسي يحدد من خلال دور القطاع العام الاقتصادي والاجتماعي السياسي، وبالتالي لابد من وجود قوى سياسية فاعلة تؤمن بأهمية هذا القطاع ودوره الحاسم في تحقيق نسب النمو الحقيقية والمطلوبة، لتقوده باتجاه هدفه المرسوم وطنياً، والذي يتجسد بتلبية حاجات الدفاع الوطني والصمود والمقاومة، وكذلك تلبية مطالب الشعب السوري بمستوى معيشي وثقافي وصحي وخدمي متطور، وكلا الأمرين مترابطان ومتلازمان، ولن يتحققا إلا بتحقيق أوسع وحدة وطنية تعمل على التصدي لبرنامج قوى السوق والليبراليين الجدد، وإيجاد بدائل له.

 إن الحل المطروح الآن لواقع شركات القطاع العام، وضمن التصنيفات التي طرحتها الحكومة (شركات رابحة وخاسرة وحدِّية) ما هو إلا حل جزئي سيزيد من الصعوبات، وسيمكِّن الليبراليين الجدد من فرض حلولهم الاقتصادية، والسير ببرنامجهم إلى نهايته، وهم قد بدؤوا بالفعل بذلك، حيث طرحت الحكومة  للاستثمار الشركات والمواقع الخدمية الرابحة، مثل المرافئ، وشركة أسمنت طرطوس، وشركة حديد حماة.. وغيرها من الشركات.

إن الطبقة العاملة وحركتها النقابية قادرة على لجم هذه التوجيهات التدميرية للاقتصاد الوطني، وقطع الطريق عليها، وهذا يتطلب منها الاستناد إلى وزنها الاقتصادي، وتفعيل دورها السياسي والاجتماعي، بما يؤمن فرض كلمتها على جميع العابثين باقتصاد الوطن ولقمة عيش المواطنين.