بصراحة مرة أخرى.. لن يمر تعديل قانون العمل
لم يحظَ أي قانون مثلما حظي مشروع تعديل قانون العمل (91) لعام (59 ) من النقاش والأخذ والرد بين الحكومة وأرباب العمل من جهة، والحركة النقابية من جهة أخرى، وهذا طبيعي لأن هناك مصالح متناقضة سيعبر عنها قانونياً، وبالتالي ستحدد هذه النصوص القانونية حقوق الأطراف المختلفة مستقبلاً، والعلاقة بينها، كما أن موازين القوى لكلا الطرفين ستقرر بالنهاية الشكل الذي سيؤول إليه القانون الذي جرى تعديل على نصوصه أكثر من مرة، وفي هذه المرة جرى إضافة خطيرة على نص (العقد شريطة المتعاقدين) وهي شمولها للعقود الموقعة مع العمال السابقة واللاحقة لإصدار القانون، والذي اعترض الاتحاد العام لنقابات العمال على نص المادة بأكملها، لوعيه ولعلمه المسبق بخطورتها على حقوق العمال، والتي ستمكن أرباب العمل من التحكم بتلك الحقوق باعتبارهم الطرف الأقوى، وبالتالي تحديدها وفقا ًلمصالحهم.
والشيء المثير للتساؤل هو التوقيت الذي انتهزته وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لطرح القانون للنقاش أمام اللجنة الاقتصادية، من أجل تمريره خلافاً لما جرى الاتفاق عليه مع الاتحاد العام، وهذا ما عبر عنه الاتحاد في مذكرته التي أرسلها إلى رئاسة مجلس الوزراء، إذ قالت المذكرة:(.... ومن غير المفهوم قيام وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وبشكل منفرد، بإعادة طرح القانون على اللجنة الاقتصادية، وخاصة من حيث التوقيت، وعدم مراعاة مصالح وآراء ممثلي العمال، والانعكاسات السلبية لهذا المشروع على علاقات العمل القائمة، والمستقرة، ومصالح العاملين، وما يترتب عليه من نتائج بمفعول رجعي تطال عقود العمل السابقة لإصداره).
إن سعي الوزارة المحموم لإقرار القانون كما طرحته، وتجاوز ملاحظات الاتحاد العام هو استكمال لمسعى الفريق الحكومي بإنجاز برنامجه الاقتصادي الاجتماعي، والذي يعني في محصلته النهائية تضييق الخناق على الفئات الشعبية، ومنها الطبقة العاملة السورية، وخاصة عمال القطاع الخاص، الذين يستفرد بهم أرباب العمل دون حماية لمصالحهم المنتهكة وحقوقهم المستباحة، وخاصة أن المسافة التي تفصل بين هؤلاء العمال والحركة النقابية بعيدة، لم تقربها كل المحاولات التي قام بها الاتحاد، والتي من المفترض أن تتعزز بإجراءات ملموسة وخطوات عملية تتجاوز الأمنيات، والانتقاد الذاتي للتقصير الحاصل بهذا الخصوص، لأن مصير ملايين من العمال لا يمكن تركها في مهب الريح، والاقتصار فقط على المذكرات والكتب المتبادلة بين الحكومة والحركة النقابية.
إن الموقف المتشدد للحركة النقابية بشأن تعديل القانون مهم، ويكتسب أهمية أكبر في حال لقي مساندة من أصحاب المصلحة الحقيقية لانتصاره، ويثبت القانون حقوقهم، ومكتسباتهم، ومن هذه الحقوق انتسابهم إلى نقابتهم التي يمانع أرباب العمل في إنجازها بكل الوسائل بما فيها التهديد بالتسريح من العمل استناداً للاستقالات المسبقة، التي يجبر العمال على توقيعها.
إن الرأي القائل بأن الأسلوب الوحيد لتنسيب عمال القطاع الخاص إلى النقابات هو التفاوض مع أرباب العمل ليس فيه شيء من الصحة، لأن لا مصلحة لأرباب العمل في دخول النقابات إلى قلاعهم المغلقة، بل لا بد من اختراق هذه القلاع بكل الوسائل النضالية، وهي كثيرة منها تطوير وسائل الاتصال مع العمال، وتطوير نظام الخدمات، والأهم تطوير الموقف الحازم الذي يقنع العمال بأن ملجأهم الأخير من أجل حقوقهم هو تنظيم أنفسهم وتعزيز وحدتهم، وهو الطريق الأضمن الذي سيجعل موقف الحركة النقابية يحقق نتائج ملموسة على الأرض.
إن الدورة النقابية الخامسة والعشرين في بدايتها، وهي معنية بإيجاد الآلية والوسائل اللازمة لكي لا يمر هذا القانون كما يراد له أن يمر.