بصراحة ما سر تصاعد الإضرابات العمالية في أوروبا؟
تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة الإضرابات العمالية في أماكن شتى من العالم، وبالأخص في أوروبا، حيث شملت الإضرابات مختلف القطاعات الصناعية والخدمية، وكان من اللافت فيها التضامن الواسع معها من شرائح المجتمع الأخرى، وفي مقدمة أولئك الطلبة وأساتذة الجامعات.
هذا التصعيد الواسع من النقابات العمالية لم يأت مصادفة أو نتيجة حركة عفوية، بل جاء كجزء من المواجهة الواسعة بين الطبقة العاملة وقياداتها النقابية غير الحكومية، وبين الحكومات اليمينية التي جاءت إلى السلطة ببرنامج مواجهة مسبق مع حقوق الطبقة العاملة ومكاسبها التي حققتها بفعل نضالها، وبفعل توازنات القوى العالمية التي كانت سائدة في مراحل سابقة لسقوط الاتحاد السوفيتي، حيث كانت القوى الإمبريالية مضطرة للتنازل للطبقة العاملة عن جزء من حقوقها المشروعة في غمرة صراعها مع دول المعسكر الاشتراكي، وكان ذلك يشكل دعماً للطبقة العاملة الأوربية والأمريكية في نضالها لمواجهة آلة النهب الرأسمالية الواسعة المتمثلة بالشركات العملاقة المتعددة الجنسية، وقد استفادت هذه الشركات من الظروف الجديدة الناشئة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وحدوث أزمة عميقة في الأحزاب الشيوعية التي كان لها نفوذ واسع داخل النقابات حيث كانت تقودها في نضالها الذي حقق الكثير من المكاسب للطبقة العاملة منها صناديق الضمان الاجتماعي وصناديق البطالة، ومستوى أجور متناسب مع مستوى الأسعار، وحريات نقابية تمكن الطبقة العاملة وحركتها النقابية من مواجهة برنامج قوى اليمين وحكوماتهم، فأخذت هذه الشركات بتقليص المكاسب والحقوق، وسعت وما تزال لضرب جميع ما حققه العمال..
الحجة الأساسية التي تقدمها الحكومات الرأسمالية اليوم كمبرر للهجوم على مكاسب العمال وحقوقهم، هو التكاليف الكبيرة التي تتكبدها هذه الحكومات بسبب حزمة الضمانات الاجتماعية المقدمة للعمال، فقد قالت الحكومة الفرنسية كتعبير عن احتجاجها على إضرابات عمال النقل الفرنسيين: (إن بنود الامتيازات الخاصة في النظام التقاعدي تكلف الموازنة قرابة خمسة مليارات يورو هذا العام).
كما صرح رئيس مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية الإيطالية (إن الشركة تعرضت لخسائر فادحة خلال الإضرابات العمالية التي جرت مؤخراً في الشركة).
ويجري حالياً إغلاق الكثير من المعامل وتسريح العمال، الأمر الذي أدى إلى تظاهر أكثر من ثلاثة آلاف عامل في شركة للصناعات الالكترونية أمام مقر الحكومة الإيطالية في العاصمة روما احتجاجاً على طردهم من العمل.
كما يتم خصخصه شركات القطاع العام ويبيعها للشركات العملاقة.
إذاً هناك برنامج واسع للحكومات جوهره تجريد الطبقة العاملة من حقوقها ومكتسباتها مستخدمة تلك الحجج والتبريرات في هجومها، وبالمقابل فإن الطبقة العاملة وحركتها النقابية بدأت بالرد الحقيقي، وبدأت أيضاً بتنظيم نفسها بما يتلاءم مع المستجدات والتطورات الحاصلة في موقف الحكومات الإمبريالية من مكاسبها، فقد جرى اصطفاف داخل الحركة النقابية والعمالية بعد عملية تشرذم واسعة وبعد مواقف مهادنة من الشركات العملاقة، وكذلك حوادث الانشقاقات الواسعة داخل الحركة النقابية ونشوء اتحادات نقابية باتت تعرف بالنقابات الصفراء.
لقد فشل الاتحاد الحر، والاتحاد العالمي للعمال في إجهاض الحركة العمالية والنقابية وجعلها حركة مسالمة مهادنة لبرنامج عمل الحكومات التي تسعى ما أمكن إلى زيادة أرباحها على حساب حقوق ومكاسب العمال.
وقد بدأت تظهر الآن رغبة واسعة عند الكثير من الاتحادات النقابية لتوحيد عملها وموقفها تجاه هجوم الحكومات الإمبريالية الموجودة في برنامجها، وتجاوزت تشرذمها على الصعيد الوطني، وهذا ما حصل في الإضرابات العمالية الفرنسية لعمال النقل حيث تضامن معهم في الإضراب عمال مرافق الغاز والكهرباء المتضررون من برنامج ساركوزي.
إن وحدة عمل الطبقة العاملة على الصعيد العالمي وإيجاد الأشكال التنظيمية المناسبة، هي الطريق المناسب للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة ومكاسبها في وجه الهجوم الإمبريالي والحكومات الإمبريالية المحلية.