طفولة مستباحة في سوق العمل!
كثيرة هي الظواهر الاجتماعية التي تستحق التوقف عندها، والتي تحمل مخاطر مستقبلية، اجتماعياً وسياسياً، منها عمالة الأطفال، وهي ظاهرة ليست جديدة على مجتمعنا، لارتباطها ارتباطاً وثيقاً بظاهرة الفقر والعوز التي تدفع المزيد من الأطفال إلى قارعة الطريق، ليصارعوا الحياة، وعودهم لازالت طرية، غير قادة على مواجهة الريح العاتية التي تعصف بهم، وتلقي بهم إلى المجهول الذي ينتظرهم، ويدفعهم باتجاه مستقبل لم يختاروه بمحض إرادتهم، ولم يصنعوه بأيديهم، بل فرض عليهم قسراً.
إن تفشي ظاهرة عمالة الأطفال وتوسعها، في السنوات الأخيرة، تعكس إلى أي درك وصل الفقراء في بلادنا، مما جعلهم يلقون بفلذات أكبادهم إلى سوق العمل، على مبدأ (البحصة بتسند جرة)، ولكن إذا كانت الجرة معرضة للكسر، وغير مستقرة فكيف ستسندها البحصة؟ والمقصود بها عمل الأطفال، وما يمكن أن يجنوه من عملهم، من مبالغ لا تساوي معاناتهم وحرمانهم وتشردهم، لمساعدة الأهل في مواجهة تكاليف المعيشة التي لا ترحم كبيراً ولا صغيراً، إنها تطحن الأغلبية الساحقة من أبناء شعبنا الفقراء، لم لا؟ وغلاء الأسعار في ازدياد مستمر، وفسحة البطالة تتسع مع كل مطلع شمس، والأجور في ثلاجة، ولا تسد الرمق، والحكومة تزيد الطين بلة، وكل يوم تصدر الفرمانات، والقرارات التي تزيد في تعميق ظاهرة الفقر، وبالتالي تلقي بأعداد متزايدة من الأطفال إلى سوق العمل، والسوق جاهزة، وقادرة على التهام هذه الأعداد من الأطفال، لأنها تحمل ميزات كثيرة تزيد في تحقيق الأرباح والتخفيف من الأعباء، في ظل غياب رقابة صارمة لعمل الأطفال، وهم كثيرون في الورشات، والمعامل المنتشرة في مناطق المخالفات وغير المخالفات، هذا بالإضافة إلى عمل الأطفال في جمع مخلفات القمامة مثل البلاستيك، وعلب الكرتون، وفوارغ المشروبات، والخبز اليابس وغيره، والتي نراها بكثرة في أحياء دمشق الفقيرة، إلى جانب الأطفال المنتشرين على إشارات المرور في الشوارع الرئيسية والمزدحمة، منهم من يمسح زجاج السيارات ومنهم من يتسول، ومنهم من يبيع الدخان المهرب، معرضين أنفسهم لمخاطر كثيرة جسدية ونفسية واجتماعية، ولكن ما العمل؟ واللقمة مغمسة بالدم كما يقال وفي سبيلها تهون المخاطر.
• القوانين وعمل الأطفال:
يقدر عدد الأطفال السوريين المنخرطين في سوق العمل، وممن تبلغ أعمارهم ما بين 15 ـ 17 سنة، حوالي (621) ألف طفل، أي بنسبة 17% من إجمالي عدد الأطفال بهذا العمر، وهذه الأرقام قد أعلن عنها المكتب المركزي للإحصاء بناءً على دراسة قام بها بالتعاون مع جامعة دمشق وجهات أخرى أجنبية عام (2000)، والآن نحن على أعتاب عام (2008) أي أن تلك الإحصائيات قد أصابها القِدَم، لأن دائرة الفقر في توسع مستمر، مما يعني أن أعداداً متزايدةً من الأطفال قد دخلوا سوق العمل، حيث يعمل 73% من هؤلاء الأطفال أكثر من 40 ساعة عمل أسبوعياً، حسب تقديرات تلك الدراسة، وهذه مخالفة صريحة وواضحة للقوانين، بالإضافة للإنهاك الجسدي والنفسي، والاستباحة الحقيقية لحياتهم الطفولية، التي من المفترض أن تكون محمية حسب قوانين الأمم المتحدة، وكذلك القوانين السورية والتي تمنع تشغيل الأطفال دون سن السادسة عشرة، حسب المواد (124، 125، 126) من قانون العمل رقم 9 لعام 1959، والمتضمنة حالات تشغيل الأحداث، حيث يمنع منعاً باتاً تشغيل الأحداث قبل تمام سن الخامسة عشرة، ولوزير الشؤون الاجتماعية والعمل أن يمنع تشغيل الأحداث إذا قلّت سنهم عن ست عشرة سنة، في بعض الصناعات التي تحدد بقرار منه، وكذلك أن يمنع تشغيلهم في الصناعات الأخرى، ما لم يبلغ سنهم ثماني عشرة سنة كاملة، كما نصت المادة 125 على عدم تشغيل الأطفال الذين تقل سنهم عن ست عشرة سنة، فيما بين الساعة السابعة مساءً والسادسة صباحاً، ولا تشغيلهم تشغيلاً فعلياً مدة تزيد عن ست ساعات في اليوم الواحد.
إذاً القوانين واضحة فيما يتعلق بعمل الأطفال، وحمايتهم.
• من المسؤول عن تطبيق القوانين وحماية الطفولة؟
بالمتابعة البسيطة، يمكن ملاحظة وجود الكثير من القوانين التي تنص على حماية الأطفال، ومنع تسربهم إلى سوق العمل، وأبرز هذه القوانين، قانون التعليم الإلزامي، الذي وضع عقوباتٍ مشددةً على الأولياء الذين يساعدون على تسرب أطفالهم من المدارس، ولكن هذه القوانين لم تجد نفعاً، في منع التسرب وهجرة الأطفال لمدارسهم، حيث تزداد هذه الهجرة عاماً بعد عام، أي كلما تفاقمت ظاهرة الفقر أكثر، والتي تعتبر المحرك الأساسي لعمالة الأطفال ودخولهم سوق العمل، والتي تبدو أكثر حدة عند أطفال، الريف حيث يشكلون أربعة أضعاف أطفال المدينة، فقد أشارت نتائج مسح صحة الأسرة السورية، إن نسبة عدم الالتحاق بصفوف مراحل التعليم الأساسي تتزايد لتصل إلى 36% عند العمر من 12 إلى14 سنة، وكذلك دراسة الفقر في سورية ما بين عامَي 1996- 2004، أشارت إلى أن التعليم، هو أكثر المتغيرات ارتباطاً بالفقر في سورية، وأن أكثر من 18% من السكان الفقراء أمّيون.
هذه الأرقام والإحصائيات الصادرة عن جهات حكومية، تجعل الحكومة مسؤولة مسؤولية مباشرة، عن اتساع ظاهرة عمالة الأطفال الخطرة، وكل الظواهر الأخرى، وأولها الفقر، الذي يتطلب قتلُهُ قيامَ الحكومة بمسؤولياتها تجاه الطبقات الشعبية، والتي تخلت عنها بفعل سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، والتي انحازت بها تماماً لصالح الـ20% من السكان، والذين ينفقون أكثر من 45% من مجمل الإنفاق في سورية، مقابل الـ80% الذين ينفقون 7%فقط، وهذا يعني خللاً واضحاً في توزيع الدخل الوطني لصالح التماسيح الجدد والقدامى، والذين ينبهون البلاد والعباد، من خلال تحكمهم بالسياسات الاقتصادية، وتوجيهها باتجاهات متناقضة ومضرة بالمصالح الوطنية ومصالح الشعب السوري. هذه المصالح التي تتحقق بتنمية حقيقية، يكون من نتائجها، القضاء على الفقر والبطالة والنهب، ومن أجل ذلك لا بد من تضافر كل القوى الخيرة والنظيفة، للنضال من أجل توجيه الدخل الوطني، مرة أخرى، لصالح فقراء الوطن، و ليس (إعادة توزيع الدعم على مستحقيه)، وبذلك نحمي أطفالنا من الأسواق التي تستبيح طفولتهم.
الاتفاقية العربية رقم (18) لعام 1996 بشأن عمل الأحداث
المادة السابعة:
1ـ لايجوز تشغيل الحدث في الأعمال الصناعية قبل إتمامه سن الخامسة عشرة.
2ـ تحدد السلطة المختصة في كل دولة المقصود بالأعمال الصناعية والخط الذي يفصلها عن غيرها من الأعمال.
المادة العاشرة:
يحظر تشغيل أحد قبل إتمامه سن الثامنة عشرة في الصناعات الخطرة أو الضارة بالصحة أو الأخلاق والتي تحددها التشريعات أو اللوائح أو القرارات الخاصة في كل دولة.
المادة الحادية عشرة:
1ـ يجب إجراء الفحص الطبي على الأحداث قبل التحاقهم بالعمل للتأكد من مدى ملائمتهم وقدرتهم ولياقتهم البدنية والصحية, وطبيعة العمل الذي سيلتحقون به.
2ـ يجب إعادة هذا الفحص بشكل دوري في مدة أقصاها سنة.
المادة الثانية والعشرون:
للعامل الحدث الحق في الاستفادة من الخدمات الاجتماعية العمالية التي تتلاءم وعمره.
المادة الرابعة والعشرون:
يلتزم صاحب العمل المشغل للعامل الحدث بالتأمين عليه في صناديق التأمينات الاجتماعية (الضمان الاجتماعي), وذلك وفقاً للنظم المعمول بها في كل دولة.
■■