بصراحة النقابات وحق الإضراب في قانون العمل الجديد
شهد قانون العمل المنوي إصداره جدلاً واسعاً بين الأطراف الثلاثة: «الحكومة، أرباب العمل، النقابات»، أثناء هذا الجدل كان القانون العتيد يتنقل بخفة بين الأطراف المعنية بالموافقة عليه، وهذا طبيعي لأن هذا القانون في حال صدوره سيحدد مصير وحقوق ملايين من العمال العاملين في القطاع الخاص، الفاقدين أصلاً لحقوقهم المادية التي أقرها لهم القانون الحالي في الكثير من المزايا، من بينها الزيادة الدورية للأجور، والتي لا يحصل عليها العامل إلا بشق الأنفس، هذا إن حصل عليها أصلاً.
والقضية الأخرى، حرمان العامل من حق الانتساب إلى النقابات التي من المفترض أنها تمثله، وترعى حقوقه وتدافع عنها. وذلك الحرمان لا يتم بقوة القانون، بل بقوة المنع الذي يمارسه أرباب العمل على العمال لمنعهم من الانتساب إلى نقاباتهم، فيصبح وزنهم التمثيلي في المواقع النقابية معدوماً إلى حد ما، مما يفقدهم إمكانية التعبير عن حقوقهم (أهل مكة أدرى بشعابها)، وهذا ما تؤكد عليه النقابات دائماً في مختلف المناسبات، فهناك خلل كبير في علاقتها مع عمال القطاع الخاص، وبهذا ترسل إشارات التخوف من المستقبل في حال استمرار هذا الوضع وعدم العمل على تجاوزه. وهي بهذا التخوف محقة لأن أعداد عمال القطاع العام في تناقص مستمر، وهم مركز ثقلها، بينما أعداد عمال القطاع الخاص يتزايد ووزن النقابات ضعيف جداً بينهم.
أمام هذا الوضع السوداوي الذي يعيشه عمال القطاع الخاص من حيث حقوقهم كافة: حكومة منحازة لأرباب العمل قلباً وقالباً، أرباب عمل أقوياء في حصارهم للعمال والضغط عليهم، ونقابات ضعيفة في تمثيلها لعمال القطاع الخاص.
إزاء هذا الخلل الكبير لمصلحة الرأسمال هل سيرى القانون النور كما ترغب النقابات، وكما هو مطلوب من جهة حقوق العمال بمستقبل آمن؟؟
لقد جاء في الأسباب الموجبة لإصدار قانون العمل الجديد والمذيل بتوقيع وزيرة العمل أن القانون جاء تلبيةً للتطورات الاقتصادية الجارية، والكل يعلم كيف يتجه التطور الاقتصادي والتنمية في البلاد، ولمصلحة من. حيث أدى هذا التطور ونسب النمو المعلنة إلى إفقار الملايين من أبناء شعبنا، وفي مقدمتهم الطبقة العاملة السورية، إضافة إلى تهجير الفلاحين وتحويلهم إلى مشردين يبحثون عن كفاف يومهم في المدن والأرياف وعلى قارعات الطرق.
إذاً القانون بمواده المختلفة هو تعبير عن قوة الأطراف المختلفة ذات الشأن، وتأثيرها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فعندما تكون النقابات قوية ببرنامجها النضالي وأدواتها الكفاحية، وبعيدة عن المواقف الوسطية، وعلى علاقة وثيقة بالعمال بمواقعهم الإنتاجية تستطيع فرض المواد القانونية التي تكفل حقوق العمال دون انتقاص، وبالأخص حق الطبقة العاملة بالإضراب والاحتجاج السلمي الذي كفلته اتفاقيات العمل العربية والدولية التي وقعت عليها سورية، والتي أغفلها القانون الجديد عن عمد وإصرار، والذي لم تطالب النقابات بأن يكون متضمناً في القانون الجديد، وذلك لمبررات عدة من وجهة نظر النقابات، رغم أن التجربة أثبتت مع أرباب العمل عدم صحة تلك المبررات، وخاصة حول قضايا التسريح وزيادة الأجور والتأمينات الاجتماعية، فالمنطق يقول بضرورة أن تكون الحرية متساوية للرأسمال ولقوة العمل في التعبير عن المصالح والدفاع عنها، بينما واقع الحال أن الرأسمال له كامل الحرية في تحقيق مصالحه من خلال مجموعة كبيرة من المراسيم والقوانين التي ضمنت حركته وجعلتها طليقة في الاستثمار كما يرغب وأينما يريد، فمن باب التساوي في الحرية بين الرأسمال والعمل كان على النقابات أن تصر على حق الإضراب للعمال في نص القانون، لكي لا يصبح حق الإضراب إن قام به العمال جريمة يعاقب عليها القانون، وبالتالي تقع الحركة النقابية في تناقض بين ضرورة مراعاتها للقانون الذي وافقت عليه بنصوصه المختلفة، وبين حق الطبقة العاملة بأن تعبر عن مصالحها بالطرق التي كفلتها لها اتفاقيات العمل الدولية والعربية. والتجربة المصرية لازالت ماثلة أمامنا عندما أضطر عمال الغزل والنسيج في المحلة للإضراب، وتضامن معهم العمال في بقية المواقع الإنتاجية دفاعاً عن حقوقهم ومكاسبهم التي أراد المستثمرون الجدد انتزاعها منهم، حيث وقفت النقابات على الحياد نتيجة موافقتها على قانون العمل لعام 2003 الذي حرم العمال من حق الإضراب، وترك العمال وحيدين في مواجهة الرأسمال والأجهزة المختلفة، مما أضطر العمال لخلق مناضليهم النقابيين من قلب الحركة الإضرابية، لتقود هذه المعركة المشرفة.
وتاريخ طبقتنا العاملة السورية أيضاً يؤكد تكون المناضلين النقابيين والقيادات النقابية التي قادت الطبقة العاملة وأسست النقابات والاتحاد العام من قلب المعارك الإضرابية، في مواجهة الرأسمالية الوطنية التي اضطرت للتنازل أمام قوة الطبقة العاملة وحركتها النقابية، والتي ما كانت ستحقق تلك الانتصارات لولا قدرتها على تنظيم نفسها، وردها الفعال دفاعاً عن مطالبها.
إن المعركة مازالت مفتوحة من أجل قانون عادل يعبر عن مصالح الطبقة العاملة السورية، والمطلوب تأمين ما يكفي من القوى لتحقيق الانتصار، فهل تفعل النقابات ذلك؟!