حكومة الوعود... الوعود!
مجلس الاتحاد العام، الذي استغرق في جلسته الثانية قرابة الست ساعات، بحضور الحكومة والقيادة النقابية والإعلام، طرح النقابيون مداخلاتهم التي فيها الشيء الكثير مما طُرح سابقاً في الجلسات الشبيهة بهذه الجلسة، وأيضا بحضور الحكومة السابقة.
وكما في كل مرة تذهب المداخلات إلى الجزئي من القضايا العمالية، بالرغم من أهمية هذا الجزئي من أجل تحقيق مكسب هنا أو هناك، بينما الجوهر في القضايا العمالية قد لا يُقترب منه، وإن جرى ذلك فيتم بالملامسة السطحية لهذا الجوهر، الذي سنطرحه في سياق إضاءتنا على أعمال المجلس، والذي هو، من وجهة نظرنا، كان ممكن له أن يشكل أحد أدوات الضغط الحقيقية من أجل تثبيت ميزان قوى جديد لصالح الطبقة العاملة، وتتمكن من خلاله في الدفاع عن حقوقها الأساسية، المتمثلة بحق العمل الدائم والأجر العادل، الذي يحقق كرامة العامل والاستثمار في الاقتصاد الحقيقي من أجل إعادة تدوير عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي، وممارسة حقهم الدستوري في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، التي انتزعتها منهم السياسات الاقتصادية الليبرالية.
في النهاية تعديل موازين القوى يعني أن يكون قطب العمال، المستقل بأدواته ورؤاه، في مواجهة قطب القوى الرأسمالية بتلاوينها وأشكالها كلها، التي استثمرت حتى الدرجات القصوى في منتوج عمل العمال والفلاحين الفقراء والحرفيين، وكل الـ90% الذين هم أغلبية الشعب السوري.
مداخلات النقابيين
ركزت معظم مداخلات أعضاء المجلس على التالي:
ضرورة تثبيت العمال المؤقتين والمياومين الذين يعملون بعمل دائم لسنوات، ومعظمهم على خطوط الإنتاج، وجرى بالفترة الأخيرة تسريح العشرات منهم، كما في شركة غاز بانياس باعتبار هؤلاء العمال عقودهم مخالفه لقوانين التعيين، كما أفتت بذلك الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش.
إعادة العمال المسرحين بمختلف حالاتهم، والذين لم يثبت بحقهم حكم قضائي يدينهم.
اللباس العمالي والوجبة الغذائية ونظام الحوافز الإنتاجية.
تحدثوا عن المنشآت الاقتصادية المتوقفة وأهمية إعادة تشغيلها.
تحدث البعض عن ملفات الفساد التي سلمت ثبوتياتها للحكومة السابقة، ومنها صفقات القمح وإحراق الأقطان في الحسكة.
جرى الحديث عن قانون التشاركية، من حيث أن النقابات معه بشرط أن لا يكون تطبيقه على الشركات الرابحة.
جرى الحديث عن ضرورة مكافحة الفساد والضرب بيد من حديد على الفاسدين، وأن لا تلجأ الحكومة بتطوير مواردها من جيوب العمال والفقراء.
الرد الحكومي
اتسم الرد الحكومي، كما هو متوقع، بإغداق الوعود للنقابات على أن الأمور جميعها ستناقش وسيجري حلها، إذا لم تكلف مالياً، وخاصةً بموضوع تثبيت العمال، حيث قال رئيس الحكومة وقبله وزيرة العمل: (بأن الحكومة ستنطلق من الإيرادات الحالية، والتي تهدف إلى زيادتها لاحقاً، ولكن انطلاقاً من الموجود، وأضاف أن الحكومة عازمة على تثبيت العاملين ولكن هل من الممكن إصدار مرسوم تشريعي وليس لدينا أدوات تنفيذه، هناك انعكاس مادي لهذا الموضوع وثغرات كثيرة تشوبه، لذلك ستتم معالجته بشكل تدريجي).
صحيح بالمبدأ خاطئ بالتوجه
الحكومة عبر ردودها وجهت رسائل، للطبقة العاملة والحركة النقابية، بأن معالجة الوضع المعيشي للعمال مرهون بزيادة الموارد، وهذا من حيث المبدأ صحيح ولكن السؤال المفترض طرحه على الحكومة، وهي المتبنية للسياسات الاقتصادية التي أوصلت الشعب السوري بمعظمه إلى مستوى خط الفقر وتحت خط الفقر: ما هي المطارح التي ستزيد منها إيراداتها؟ هل ستذهب إلى جيوب قوى الفساد والاحتكار؟ أم ستذهب إلى جيوب الفقراء؟ كما هو جارٍ الآن.
الخيار الأول: يعني خيار الانحياز لصالح الـ90% من الشعب السوري، وهذا على النقيض من السياسات التي تتبناها الحكومة الحالية والحكومات السابقة، وهي تبني رهاناتها على هذه السياسات الانفتاحية على قوى رأس المال، وعلى ضرورة مساعدتها في النهوض الاقتصادي عبر قانون التشاركية، الذي أعدت تعليماته التنفيذية مؤخراً، وكأن هذه الحكومات لا تتعلم من سلوك القطاع الخاص عندنا، الذي هرب وأمواله إلى الخارج وسرح عماله الذين يقدرون بالآلاف، وكذلك الدروس من أخواتها الحكومات العربية، وخاصةً التجربة المصرية، والغربية مثل اليونانية، وغيرها التي كلفت شعوبها الكثير.
بكل بساطة
بكل بساطة إن زيادة الموارد تكون بالذهاب إلى معادلة الدخل الوطني (أجور– أرباح) بحيث تصحح نتيجة المعادلة لصالح الأجور على حساب الأرباح، التي تعاظمت في الأزمة وتمركزت أكثر في أيدي قلة قليلة، بينما تراجعت القيمة الفعلية للأجور وتزايدت الأعباء المعيشية على غالبية الشعب، وهذا التوجه يحتاج إلى قرار سياسي وموازين قوى تكون طليعتها الطبقة العاملة السورية، وهنا دور الحركة النقابية التي ستكون رأس حربة بعملية التغيير المفترضة بهذه المعادلة، لصالح الـ90% من الشعب السوري، إذا ما أخذت خطاً عمالياً ونقابياً لا يراهن على الشراكة مع الحكومة، أي حكومة تتبنى السياسات الاقتصادية الليبرالية وتوجهاتها، ومنها تحصيل مواردها من جيوب العمال والفقراء، أي من جيوب الشعب السوري وكادحيه.