عادل ياسين عادل ياسين

بصراحة التشاركية وفريق العمل الواحد.. سقوط بحكم التجربة

منذ أن أطلت علينا الحكومة بمشروعها (الإصلاحي) للقطاع العام الصناعي، وهي تؤكد للملأ أن هذا المشروع سيُخرج الزير من البير، وهو الذي سينهض بالشركات والمؤسسات، ويجعلها بكامل عافيتها وصحتها الإنتاجية، حيث استغرق الكلام المعسول هذا ثماني سنوات من النقاش والحوار، والأخذ والرد والتبديل والتعديل والتمرير.

ينتهي كل ذلك الجهد غير العادي الذي كلف البلاد والعباد الشيء الكثير، ليكون مآله إلى متحف الشمع التاريخي، لتطّلع عليه الأجيال القادمة.

والسؤال المطروح: هل كان طرح المشروع ثم وضعه في الدرج مصادفة أم ضرورة حكومية؟! كل المؤشرات والدلائل تشير إلى أن الفريق الاقتصادي، ومن لف لفه، لم يكن في برنامجهم وسياساتهم الاقتصادية أية خطة للإصلاح، لأن الإصلاح يعني استثمار أموال كثيرة في هذا الجانب، ولكن ما طُرح هو بمثابة بالونات اختبار أطلقها الفريق الاقتصادي قبل شن الغارات المتعاقبة لقياس شدة الممانعة لسياساته الاقتصادية الليبرالية، من مختلف القوى التي لها مصلحة في الدفاع عن القطاع الصناعي وإصلاحه، بما يلبي المصلحة الوطنية اقتصادياً وسياسياً، وإن البرنامج الأساسي للفريق الاقتصادي هو ما ينفذ الآن عبر:

1ـ تطبيق المرسوم (54) الذي جاء في غير زمانه ومكانه، حيث جاء والشركات مجردة من كل ما يمكّنها من إعادة إنتاج نفسها، بالوقت الذي يُطلب منها أن تنتج، وتدفع أجور عمالها وتسوق إنتاجها ذا التكاليف العالية، وهي لا حول ولا قوة لها، بعد أن أخذت لحماً، ورُميت عظماً، وتحولت آلاتها وخطوطها الإنتاجية إلى خردة، كما عبر عن ذلك أحد النقابيين، ومع ذلك فإن هذه الشركات قد حققت ربحاً عام 2007 يزيد عن تسعة مليارات ل.س.

2ـ تصريح رئيس الوزراء أنه (لم يَعد ولن يَعد بتثبيت العمال المؤقتين) وهؤلاء العمال يبلغ عددهم (48 ألف عامل) حسب إحصائية نقابات العمال، التي كانت تؤكد أن الحكومة جادة في إصدار مرسوم شبيه بالمرسوم (8) لتثبيت العمال المؤقتين الذين إن ثُبّتوا لن يضيفوا أية أعباء مالية جديدة على خزينة الدولة. إن ذلك التصريح يعني فيما يعنيه لجوء الحكومة لعمليات تسريح لهؤلاء العمال، والكثير منهم يعمل منذ سنوات بصفة عامل مؤقت، والحكومة الآن تقوم بتسريحهم تحت شعار مكافحة الفساد، كما حدث في حمص وحلب، وكأن مكافحة الفساد تبدأ من تحت فقط، ولا تطال من هم فوق، باعتبار فوق منزهين عن الفساد والنهب ومحصنين ضده!!.

3ـ المسح الذي تقوم به وزارة الصناعة في الشركات والمعامل، لتبيان عدد العمال الفائضين في كل شركة ومعمل، ليصار إلى دراسة أوضاعهم وترحيلهم إلى جهات أخرى، وتخليص الشركات منهم، وكأن هذه العمالة ( الفائضة) هي من أوصل هذه الشركات إلى أوضاعها الحالية، ولإصلاحها وإعادة تشغيلها بالمقاييس الحكومية لابد من هكذا إجراء، بالوقت الذي يؤكد فيه واقع الشركات أن هناك نقصاً باليد العاملة الإنتاجية، كما هي حال شركات دمشق النسيجية، حيث يبلغ النقص حوالي 3000 عامل، وليس هناك فائض، وإن وجد فإن ذلك يكون بالإدارات (العصملية) التي أكل الدهر عليها وشرب.

إذاً الحلقة الأضعف التي توجّه الحكومة نيرانها باتجاهها هي اليد العاملة، عبر الاعتداء على أجورها وأماكن عملها، الذي كفله لها الدستور، والتي تسعى الحكومة بكل السبل إلى تطفيش العمال بعدم دفع أجورهم، في ظل أوضاع معيشية لا يحسدون عليها، وخاصة عمال الشركات المتوقفة أو المخسرة التي يزداد عددها يوماً بعد يوم، باعتبار القانون لا يسمح بدفع الأجور كما أعلن وزير الصناعة عن وزارة المالية في رده على مطالبة رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال بضرورة دفع أجور العمال في جلسة مجلس الشعب بتاريخ 13/6/2008، وهذا الرد يؤكد أن مستقبل العمال في خطر، وتتسع دائرة الخطر هذه كلما سارت السياسات الليبرالية قدماً دون مواجهة لها توقف تقدمها، والتي تستفيد من الظروف الداخلية التي ساهمت في صنعها، مستفيدة من الظروف الإقليمية التي تضغط باتجاهها بقوة، اقتصادياً وسياسياً.

إن الدفاع عن حقوق العمال الأجرية وعن القطاع العام الصناعي يعني في مقدمته التخلص من وهم الشراكة مع الحكومة، ومن نظرية فريق العمل الواحد، التي أكدت الحياة وسياسات الحكومة وتجربة الطبقة العاملة عدم صحتها، وبالتالي فإن التصدي لتلك السياسات يتطلب العودة إلى التقاليد النقابية التي سار عليها أجدادنا النقابيون، في نضالهم من أجل حقوق الطبقة العاملة ومكاسبها. فهل تعود النقابات إلى تقاليدها الكفاحية؟!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الجمعة, 02 كانون1/ديسمبر 2016 18:12