مركز تسويق الحبوب والصوامع (أفاميا).. العمال يستغيثون
إذا جرى وانساق المرء مع المشاعر الغاضبة لبعض الفلاحين ممن يعملون في مركز تسويق وصوامع حبوب قلعة المضيق (أفاميا)، قد يعدّ المركز مكاناً لحياكة المؤامرة على الوطن، فالفلاحون يشتكون من المركز، ويحملونه مسؤولية ظلمهم ومآسيهم في نهاية رحلة الحصاد الطويلة، والعاملون بالمركز يصرخون لرفع الظلم عنهم وتحقيق مطالبهم المتكررة ويحملون إدارة المؤسسة المسؤولية، والمؤسسة لا تنأى بعيداً عن هذه التراتبية، لكن المتبصر في حقيقة ما يجري سرعان ما يكتشف أن الكل مظلوم، والظالم الأكبر هو هذا النهج الاقتصادي المتبع الذي انتهك حقوق الكادحين والوطن، وتجاوز الدستور في مطارح عدة.. إنها الرحى التي تطحن الجميع دون استثناء .
العامل عبد المجيد وهو خبير حبوب (ساحة)، موفد من مركز حماة يقول: يبدأ دوامي من الساعة السابعة صباحا وينتهي في الساعة السابعة مساءً، ونعمل - أنا وزملائي - كل هذه الساعات الطوال دون مكافآت، ونفرز باليوم الواحد مئات العينات، إذ يتراوح عدد جرارات القمح التي نستلمها بشكل يومي من 200 – 300 جرار، في حين هناك بعض المراكز التي لا تسوق عشر هذا العدد، ومع ذلك نُعامل كما يعاملون من حيث الأجور وطبيعة العمل، وفوق هذا كله نحن محرومون من إذن السفر.
أما المهندس رضوان عبد الرحمن، وهو يعمل أمين مستودع الحبوب، فيقول: جرت العادة أن أمين المستودع يستلم دراجة نارية لأن طبيعة عمله تقتضي تواجده قبل بدء الدوام الرسمي بنصف ساعة وينتهي بعده بمثلها.. وعدوني أكثر من مرة، ولكن (عالوعد ياكمون)، وهاهو الموسم يشرف على نهايته ولم أستلم (الشبح) بعد، في حين أن من يجلسون وراء الطاولات في المكاتب المكيفة يتنقلون بالسيارات، ونحن كعمال ميدانيين تشوينا الشمس الحارقة، ويخنقنا غبار القمح لا نحصل على دراجة .
المهندس مثيل وهو محلل مخبري، يقول: «نتعامل مع سموم فتاكة (فوسفيد الألمنيوم)، وهي تسبب أمراضاً عدة منها السرطانات والزهايمر والرعاش، وليس لدينا ما يقينا من هذه السموم. التمييز موجود بين العاملين في شركة الصوامع وبعض المؤسسات، وحتى ضمن الشركة الواحدة، فالعامل منا لو تعرض لأية إصابة من إصابات العمل وتحطم، فالعلاج يكون على نفقته مثله مثل أي مواطن عادي دهسته سيارة عابرة. نحن في مركز قلعة المضيق محرومون من أدنى حد للضمان الصحي، فيما زملاؤنا بفرع المؤسسة في المنطقة الوسطى ونحن تابعون نظرياً له، فلديهم طبيب، ويستفيدون من هذه الميزة.. إن ما يحول دون تشميلنا هي القوانين البالية والحجج الواهية، يقولون لنا عندما يصبح عددكم مئة عامل (وهو لن يصبح) يطبق عليكم نظام الطبابة، ومتى يصبح عددنا مئة هل بعد مئة عام؟؟ هل بعد أن تطيح بنا السموم؟ من حقنا لباس واق من هذه السموم بدل الكمامات الورقية التي لا تقي من شيء. نرجو إسماع صوتنا وإنصافنا على مستوى الطبابة أو تعويضات مالية للمعالجة والوقاية من هذه الأمراض الفتاكة. أما نظام المكافآت فهو مجحف، ولا يتناسب مع طبيعة عملنا، وبالنسبة لدور نقابات العمال فهي مهمشة ومسيطر عليها من الغير، وهذا يتنافى مع طبيعة النقابات ومهام عملها، وإن اعتصم غيرنا في أمكنة أخرى نأمل أن لا نصل إلى هذا الحد. من جهة أخرى إننا نتنقل على حسابنا، وإن كان هناك من زيادة في الأجور فقد ابتلعتها وسائط النقل وخاصة بعد زيادة أسعار المحروقات وآثارها المدمرة. وأخيراً أقول لك: إني قد خضعت لدورة أنا وبعض من زملائي لمدة عشرة أيام، وبدلاً من أن يصرف لنا إذن سفر الدورة كاملاً، فوجئنا بصرف إذن سفر يوم واحد.. إن الأمر يخضع لمزاج المدراء».
عدنان أمين خزن الصومعة يقول: نحن لسنا مشمولين بالضمان الصحي رغم ما قالوا وما يقولون عن هذا الضمان، ورغم ما يصدر من قوانين، وما رصد من أموال لهذه الغاية. نحن العاملين في الخزن لم يصلنا شيء من هذا، رغم أننا نتعامل مع المواد السامة بحكم عملنا في تعقيم صوامع خزن الحبوب، علماً أن زملاءنا في حماة يستفيدون من الطبابة، وعند مطالبتنا بالطبابة كان الرد: (إنكم تبعدون عن المركز في حماة 50 كم)، وكأن السموم والأمراض وقودها المازوت. نرجو مساواتنا بغيرنا في مركز الإدارة ونرجو تشميلنا بالضمان الصحي» .
المهندس سمير رحال مدير صوامع قلعة المضيق (أفاميا)، عندما دخلنا مكتبه شعرنا بأنا انتقلنا من فصل إلى آخر حيث كان المناخ عنده معتدلاً ومائلاً إلى البرودة، وقد فاجأنا بالقول: «لا توجد لدينا أية مشاكل، وهذه إن وجدت تحلها الإدارة بالتعاون مع اللجنة النقابية، وعندما نعجز عن حل المشكلة سنلجأ للصحافة»!!!.