متابعة لواقع العمال في نهر عيشة -2-
نتابع في هذه المادة تغطيتنا لواقع العمال في منطقة (نهر عيشة) من خلال الزيارة التي قامت بها (قاسيون) لبعض المشاغل والمعامل والأسواق المتواجدة هناك وقد أفردنا في العدد الماضي مساحة لواقع عمال الخياطة والعمال الباعة وسنتابع في هذه العدد الإضاءة على عمال في صناعات ومهن أخرى.
تنتشر المعامل الصغيرة والمشاغل والورشات ضمن الأحياء العشوائية في نهر عيشة وتتعدد مجالات إنتاجها وإن كانت الصناعات النسيجية كالخياطة والجوارب تتصدر تلك الصناعات والمهن فإن صناعة الجلديات والمواد الغذائية والكيماوية والمعدنية لا تقل أهمية، لا من حيث الكم، ولا من حيث عدد العمال العاملين في هذه الصناعات، وأوضاعهم الصعبة ومعيشتهم الشاقة كيف لا وهم المحرومون مع أقرانهم في القطاع الخاص غير المنظم من أدنى حقوقهم التي تحجب عنهم فهم عنها غافلون.
حريصون على العمل ..
حريصون على العيش
تبادلنا الحديث مع مجموعة من العاملين في مشغل للأحذية الجلدية والرياضية حول مختلف القضايا بدءاً بالعملية الإنتاجية وانتهاءً بواقعهم المعيشي اليومي، وبدا أن صعوبات الإنتاج لا تختلف عن صناعات أخرى وعلى رأسها مشكلة التقنين الكهربائي وصعوبة تشغيل المولدات العاملة على الطاقة لساعات طويلة كونها ترفع كلفة الإنتاج المرتفعة أساساً، يضاف إليها صعوبة نقل البضائع وكلفتها العالية المتضمنة (حصة الحواجز)، ناهيك عن أجرة المشغل التي ترتفع كل ثلاثة أشهر عند تجديد العقد، ويضيف العمال: بأن عملهم أصبح أكثر صعوبة لأنهم مضطرون لتكثيف العمل عند وجود الكهرباء، أو تشغيل المولدة، في حين يلزمهم رب العمل بأعمال أخرى (على ضوء اللدات) حين انقطاع التيار الكهربائي مما يرتب عليهم بذل مجهود أعلى بساعات أقل، ورغم استيائهم من مجمل الصعوبات يؤكدون حرصهم الكبير على العملية الإنتاجية واستمرارها، بمعادلة يتبنونها مكرهين (بدنا نشتغل بدنا نصبر بدنا نطعمي ولادنا).
أجور العمال ... من الجمل أُذنه
يعمل العمال جميعهم البالغ عددهم 8 عمال بحدود 11 ساعة تبدأ من الثامنة صباحاً ويبلغ متوسط أجرهم 13 ألف ليرة أسبوعياً في حين تعمل العاملات 9 ساعات بمتوسط أجور 5 ألاف ليرة أسبوعياً ويحصل الفتية العمال على 3 أو4 ألاف أسبوعيا ويعاني العاملون من عدم وجود أدنى شروط الصحة، كون المشغل في قبو رطب لا يتمتع بالتهوية المطلوبة علماً أن صناعة الأحذية تعتمد بشكل أساسي وكبير على المادة اللاصقة (الآجو) ذات الرائحة المؤذية للجهاز التنفسي، ولن تمنع الكمامة الطبية الأذى الصحي عنهم بل تؤخره حسب قول العمال هناك وحين سألناهم عن نسبة أجورهم بالمقارنة مع أرباح صاحب العمل حسب خبرتهم ومعرفتهم بالسوق أكدوا لنا بأنها لا تتجاوز 25% حيث أخبرنا تيسير(عامل خبير وصاحب ورشة سابقا) بأن زوج الأحذية الذي يبيعه صاحب العمل للسوق بالجملة بمبلغ 4 ألاف يربح 800 ليرة صافي في حين تبلغ كلفة الأجور التي يدفعها صاحب العمل لمجمل من عمل في إنتاج حذاء واحد 140 ليرة فقط.
أطفال بين المواد الخطرة
تنتشر معامل صغيرة تنتج مواد تنظيف من مسحوق الغسيل لمواد الجلي، لتعبئة الكلور، ويستغرب تواجد هكذا صناعات تعتمد بشكل أساسي على مواد كيماوية بين البيوت السكنية كما يستغرب عمل الأطفال بها حيث رصدنا خلال زيارتنا لأحد هذه المشاغل الصغيرة مجموعة من الأطفال والفتية يضعون الكمامات الطبية، ويحملون الرفوش ليخلطوا تلة من المواد الكيماوية مع بعضها البعض لمدة لا تقل عن الربع ساعة ليتم تعبئتها في أكياس شفافة تباع كمسحوق غسيل للمحلات، التي تبيعه بدورها (فرط) للمستهلك بالكيلولتتكرر العملية لمرات عديدة. وأكد لنا أحد الفتية العمال بأن عمله شاق والرائحة تؤثر عليه كثيراً، لكنه بدأ يعتاد الأمر وعليه أن يتحمل فالأجر الذي يأخذه يبلغ 2000 ليرة في اليوم، وهو لن يجد عملا في مهنة أخرى تؤمن له هذا الأجر في حين تعمل العاملات في تعبئة مادة الكلور بعبوات مختلفة الحجم وخلف آلات مزج سائل الجلي والصابون السائل، ومجمل تلك المواد. ويبلغ أجر الساعة للعاملات نحو250 ليرة، وهي أجر أعلى بالمقارنة مع الأجور في مهن أخرى.
تصريف الإنتاج
مؤمن والأجور أعلى
قصدنا أحد معامل تشكيل المعادن (أراكيل وصواني ودلات نحاسية وستانلس ) حيث (المخارط) الكبيرة والمتوسطة و(المكابس) هنا تختلط الأصوات المرتفعة للآلات بضجيج المولدة الضخمة التي تعمل على المازوت، في هذا المكان نجد شرائح العمال كلهم من رجال ونساء وأطفال وفتية كل له اختصاصه ففي حين يعمل الشبان الذين يتمتعون بالبنية البدنية القوية خلف المخارط والمكابس، ويشتغل العمال الفتية حولهم في تطبيق القطع وتجهيز المواد الأولية لهم، وقسم آخر من العمال يشتغلون في قسم (التلحيم) فيما تشتغل النساء في التلميع والتغليف، ويسهل مشاهدة درجة التنظيم العالية في هذا المشغل والانضباط والسرعة بتنفيذ العمل، ولاحظنا انتشار (الشفاطات الهوائية ) الكبيرة والمراوح السقفية التي تؤمن جريان الهواء بصورة جيدة ضمن المكان، ومن خلال الحوار الذي دار تبين لنا التفاوت الكبير بالأجور بين عمال (البلص والخراطة) وباقي العمال والعاملات، فمتوسط أجور (البليصة والخراطين) يتجاوز الأربعين ألفاً أسبوعياً وعمال اللحام 20 ألف والعاملات 8 ألاف ولا تتجاوز ساعات العمل 9 ساعات يوميا وحين سألنا عن سبب التفاوت جاءتنا الإجابة بأن هناك نقص واضح بالعمالة المهنية والفنية مما رفع أجورهم التي لطالما كانت أعلى من العمالة العادية بضعف على الأقل، كونها مهنة صعبة وخطرة وشاقة وكون الإنتاج مؤمن التصريف في الأسواق المحلية واللبنانية وحتى الخليجية.
حكي عمال
عامل تشكيل معادن ( بلص) يقول : «صحيح أجرنا أحسن من غيرنا بكتير بس كمان ما بكفي شويعني يطلعلي 200 ألف، بالشهر شو بساووا بهالغلا أنا قرأت عالفيس انوالمعيشة للعيلة الواحدة بدها 270 ألف ليرة (يقصد أرقام الدراسة الاقتصادية الدورية للمعيشة التي تنشرها جريدة قاسيون) يعني لسا بدي سبعين ألف لعيش, هي من ناحية, ومن ناحية ثانية شغلتنا صعبة كتير، وبدها أكل منيح وأدوية وفيتامينات يعني إذا موكل يوم باكل وقيتين لحمة أو دجاج ما بقدر اشتغل، وإذا غلطت غلطة صغيرة أوشردت أنا وعم اشتغل عالمكنة بروح فيها وبقعد بلا شغل وبلا أكل».
عاملة في معمل الأحذية : «تبهدلنا آخر هالعمر، نزحت من سبينة عالمخيم ومن المخيم على الدحاديل ما بقدر اشتغل وين ما كان، بس الله بعتلي هالشغل والله ما عم نلحق شي بيتنا آجار وعنا ولاد عم تدرس، جوزي عم يشتغل عالتكسي ليل نهار وأنا بها لمعمل وموشبعانين اللقمة, بدنا نرجع على بيتنا ما بدنا نبقى بالايجار، والله اتعبنا وها لحكومة موراحمتنا لك سكر ورز ما عاد عطونا، وصاحب البيت ما عم يرحمنا كل شوي بيرفع الأجرة وصاحب الشغل هون مو راحمني بدو شغلو يمشي بدون ما يدفع حقنا، بدك الدغري يا ابني كلون عم يسرقونا ويمصوا دمنا مشان اللي مما مات بقنص أوبقصف يموت من الجوع والحسرة».