العمال المؤقتون بين (السنوي) والتثبيت؟
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

العمال المؤقتون بين (السنوي) والتثبيت؟

لم يقدم قانون العاملين الأساسي بالدولة رقم 50 أي حل لمشكلة العمال المؤقتين بل على العكس من ذلك ثبت الظلم الذي لحق بهم وقوننه بين مواده حيث نصت في المادة 148 على أنه :( لا ينقلب الاستخدام المؤقت أو التعاقد الجاري ...إلى استخدام دائم مهما مدد أو جدد ) !! وبهذه المادة حرم المشرع قاصداً متعمداً الاف العمال من أبسط حقوقهم وقطع لهم أي آمل في تحسين معيشتهم , حيث منع تثبيتهم في أعمالهم التي أمضوا فيها سنين دون أن يكونوا مطمئنين على مستقبلهم وعلى حياتهم بعد التقاعد وأبقى حقوقهم مسلوبة مهدورة .

ويخضع هؤلاء العمال في  علاقاتهم مع مؤسساتهم إلى  ما تنص عليه صكوك استخدامهم التي يحددها النظام الداخلي لكل إدارة لا إلى قانون العاملين الأساسي بالدولة رقم 50 وبالتالي تتفاوت ظروف عمل هؤلاء من مؤسسة إلى أخرى فهناك مؤسسات تمنع عن العمال المؤقتين الحوافز والمكافآت، أو لا تسمح لهم بالانضمام إلى النقابة التي تمثلهم، ولا يستفيدون من الترفيع السنوي ولا من المنح والزيادات على الرواتب، ولا يتقاضون أجورهم إلا كل 3 أشهر عدا عن تحملهم نفقات تجديد كل مرة عند انتهائها ,والعمال الموسميون غير مسجلين بالتأمينات الاجتماعية ولا يستفيدون من التأمين الصحي، مع أن بعضهم يقوم بأعمال خطرة بطبيعتها تستوجب الحفاظ على حقوقهم وحقوق أسرهم وعائلاتهم  فيما لو تعرض العامل لأية إصابة أو ضرر .

واذا نظرنا إلى طبيعة الأعمال التي يقوم بها هؤلاء فهي  لا تعتبر أعمالاً مؤقتة بطبيعتها ,فكيف لنا اعتبار عمل يستمر لسنوات عملاً مؤقتاً أو موسمياً !! ولماذا هذا الإصرار كله من قبل المشرع بعدم تحويل الاستخدام المؤقت إلى استخدام دائم إذا كانت طبيعة العمل وضروراته اقتضت الاستمرار فيه لسنوات ,أليس من المصلحة العامة ومصلحة العمل تثبيت العامل والاستفادة من خبرته الذي اكتسبها خلال سنوات من ممارسته عمله .

ولكن على ما يبدو أن الحكومات المتعاقبة والتي تتبنى النهج الليبرالي اقتصادياً باتت تتعمد إجراء مسابقات على أساس التعاقد السنوي أو استخدام مؤقت وتقوم بعد ذلك بإسناد وظائف دائمة للناجحين ,لكي لا تتحمل عبء موظفيها ويمكنها الاستغناء عنهم متى ارادت ذلك ودون أن يكون لهم أي حق في المطالبة بأية حقوق أو تعويضات أو معاش تقاعدي, ويسمح لها من جهة أخرى في تقليص عدد الموظفين تمهيداً لعمليات خصخصة مستقبلية ,هذه التصرفات الحكومية مخالفة للقانون لأنه لا يمكن اعتبار هؤلاء مؤقتين لأن الوظائف المسندة لهم ليس مؤقتة بطبيعتها كما اشترط القانون ذلك حيث نص صراحة في المادة 146 من القانون رقم 50 على أن استخدام العمال المؤقتين يقتصر على أعمال مؤقتة بطبيعتها فقط, وهذا يعني أن العامل يتبع صفة العمل الذي يقوم به لا العكس وبهذا تكون الحكومة تستغل عمالها وموظفيها وتسلبهم حقوقهم بهذا الشكل من التعاقد .

كثيرة هي الوعود التي تطلقها الحكومة لحل مشكلة العمال المؤقتين وتعهدات كثيرة أطلقتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بهذا الخصوص، ولكن الحلول كلها التي قدمت من جهة الحكومة هي حلولاً شكلية لا تعالج المشكلة بشكل جذري ولا تنهي معاناة  هؤلاء العمال, بل يمكن اعتبارها في أحسن الأحوال وسيلة لامتصاص غضب العمال، وخصوصاً مع توجه العديد منهم نحو ممارسة ضغط على مؤسساتهم باستخدام حق الإضراب الذي كفله لهم الدستور، لمواجهة مماطلة الحكومة وتسويفها كما فعل عمال شركة إسمنت طرطوس , فمن ضمن هذه الحلول الشكلية مثلاً: ما تم إعلانه الأسبوع الماضي عن تحويل عقود 931 عاملاً في الشركة العامة للمشاريع المائية و 61 عاملاً مؤقتاً في شركة إسمنت طرطوس من عقود موسمية إلى عقود سنوية, ولكن بالرغم من بعض المزايا التي قد يستفيد منها هؤلاء العمال (حسب النظام الداخلي لكل مؤسسة مع العلم أن شركة إسمنت طرطوس لا تملك نظاماً داخلياً حتى الآن !!! ) إلا أن هذا لا يقدم للعامل أي شيء سوى تغييراً في الشكل القانوني للتعاقد فقط، ولا يعتبر هذا من قبيل مساواتهم في الحقوق مع زملائهم المثبتين بشكل كامل، كما تدعي الحكومة . ولا يعدو هذا سوى مجرد إلتفاف قانوني من قبل الحكومة واستخفافها بمطالب العمال وحقوقهم وتلاعب بمصيرهم ومصير عائلاتهم . ولا يبقى للعمال سوى استعمال سلاحهم الوحيد الإضراب وزيادة الضغط على الحكومة لتحصيل حقوقهم .