ساعات عمل مجانية
أبو الوفا أبو الوفا

ساعات عمل مجانية

يظن الكثيرون بأن ازدياد ساعات انقطاع الكهرباء عن المنشآت الإنتاجية في القطاع الخاص تضر بعملية الإنتاج والمردود الربحي لصاحب العمل دوناً عن العمال، وبقليل من الاطلاع الميداني على هذه المنشآت سنكتشف تضرر العمال بشكل مباشر.

 

الكهرباء مقننة والمحروقات بالعالي

لقد قامت الحكومات السابقة، خلال سنوات الأزمة وما قبلها، بسلسة متتالية من قرارات اقتصادية أدت لرفع أسعار استجرار التيار الكهربائي على المشتركين، وخاصة على شرائح التجاري والصناعي، مترافقة مع قرارات أخرى أكثر سوءاً نتج عنها ارتفاعاً تلو الآخر لأسعار المحروقات من مازوت وبنزين وفيول، مما رفع تكلفة الإنتاج على الصناعيين المنتجين كافة، الكبار منهم والصغار، ففي حين تعتمد المنشآت الكبيرة على التيار الحكومي المقنن ومولدات الطاقة العاملة على الفيول أو المازوت، تلجأ المعامل الصغير والورش والمشاغل لمولدات الطاقة العاملة على البنزين في ساعات التقنين.

الصناعيون الكبار يتكيفون

بعد القرار الحكومي الأخير (لحد الآن) الذي ارتفعت بموجبه أسعار المحروقات بشكل عام طال بتداعياته القطاع الصناعي، خاصة أنها ترافقت مع زيادة ساعات التقنين في أغلب المناطق التي يتواجد فيها هذا القطاع، وإن كانت قدرة المنشآت الكبرى والمعامل الكبيرة على التكيف مع الوضع المتجدد عالية، فإن أصحاب المعامل المتوسطة والصغيرة غير قادرين على ذلك فمقدار إنتاجية منشآتهم ومردودها المحدود لن يسمح لهم بتحمل ارتفاع نسبة تكاليف الإنتاج سوى لنسبة معينة، لذلك فلا أحد يستطيع أن يقنع هؤلاء بالتنازل عن جزء صغير من أرباحهم، فيلجؤون لحلول أخرى يتحمل العمال وحدهم أعباءها.

ساعات العمل ... محدودة

يتمتع العمال في القطاع الخاص بحقهم بتحديد ساعات العمل وفق القانون، ورغم ذلك لا يلتزم أصحاب العمل بنص القانون، بل يقومون بإضافة ساعة أو ساعتين يومياً بطرقهم الخاصة، وما أكثرها، في حين ترتفع ساعات العمل أكثر في القطاع الخاص غير المنظم، فأغلب عمال هذا القطاع يشتغلون 12 ساعة يومياً، وتحدد أجرهم على أساسها، فإذا افترضنا بأن أجرة عامل يعمل 12 ساعة في اليوم يبلغ 1500 ليرة يومياً، فإن ساعة العمل الواحدة تكون 125 ليرة، وعلى هذا الأساس يتم حساب مبلغ الخصم من الأجر إذا ما تغيب العامل أو تأخر، وكذلك على ساعات العمل الإضافي التي يعملها.

توفير على حساب العمال

خلال الفترة الماضية ازدادت ساعات التقنين الكهربائي، فذهب الكثير من أرباب العمل لخيار التوفير المادي للتكلفة على أكتاف عمالهم، حيث أنهم لا يقومون بتشغيل المولدات الخاصة العاملة على المازوت أو البنزين سوى لفترة تقنين واحدة، فيما يتوقفون عن التشغيل خلال الفترة الثانية، والتي غالباً ما تستمر لثلاث ساعات متتالية، وليتركوا عمالهم بين خيارين: إما الذهاب للمنزل والعودة عند عودة التيار الكهربائي، أو البقاء في المعمل أو المشغل ريثما تنتهي فترة التقنين، على ألا تحسب ساعات التقنين ساعات عمل مما يجعل العمال أمام خيارين: إما أن يكتفوا بتسع ساعات عمل وبالتالي بأجرة هذه الساعات، أو أنهم سيمكثون في المعمل ثلاثة ساعات إضافية كي يصبح دوامهم 15 ساعة تحسب لهم 12 ساعة عمل ويحصلون على أجرهم المعتاد، فالذهاب للمنزل للاستراحة والعودة بعد انتهاء ساعات التقنين تحمل مشقة المواصلات وكلفتها التي لا ترحم، مما يجعلهم يفضلون خيار الانتظار ثلاث ساعات دون أجر، بعيدين عن عائلاتهم لأكثر من نصف نهار ويزيد.

ليس أسوأ من تصرف أرباب الأعمال في هذا الموضوع سوى قرارات الحكومة العبثية، التي لا تعمل على دعم القطاع الإنتاجي بمستلزمات الدعم كلها، بل وعليها أن تتراجع عن كل السياسات الاقتصادية كلها المضرة بمصالح الطبقة العاملة، وبعملية الإنتاج الوطني، فالبلاد والعباد لم تعد تحتمل ذاك البؤس كله.