بصراحة: شيخ ََالنقابيين.. نضالك باقٍ
مرَّ عام على رحيل شيخ النقابيين الرفيق ابراهيم بكري (أبو بكري)، ولكن هذا الرحيل الفيزيائي لرجل عظيم لم يلغ ما قدمه بنضاله الطويل للعمال وللوطن، فما خلّفه من مخزون وتجارب نضالية باقية لا ترحل مع رحيل الجسد..
كرس ابراهيم بكري منذ نعومة أظفاره حياته لقضية سامية، قضية الطبقة العاملة، وكان جزءاً ومكوناً رئيسياً من مكوناتها الفكرية والنضالية منذ بدأت الحركة العمالية تشق مجرى كفاحها من أجل حقوقها في ثماني ساعات عمل وأجر عادل وحقها بالإضراب، حيث كانت هذه الأمور من المحرمات على الطبقة العاملة السورية الوليدة حينها، ولكن بفعل نضالها الشاق وبوجود قادة عماليين خرجوا من صفوفها، فإن الطبقة العاملة السورية بالرغم من كل ما كان يحيط بها من صعوبات النشأة الأولى، وما يحيط بها من قمع وتكبيل كانت تمارسه حكومة الاحتلال الفرنسي وبعدها الحكومات الوطنية، استطاعت هذه الطبقة الوليدة أن تكوّن لها موقعاً كقوة أساسية على امتداد الوطن لا يمكن لأيه قوة سياسية تجاهلها، أو تجاهل مطالبها التي كانت تطالب بها، ليس فقط لأنها عادلة، بل لأن العمال وقادتهم الميدانيين كانوا واثقين أن حقوقهم لا يمكن أن تقدم لهم مجاناً وعن طيب خاطر من الرأسماليين (الأجانب والمحليين)، بل كان يتحقق جزء أساسي من مطالبهم بفعل ممارستهم لحقهم بالإضراب باعتباره السلاح الوحيد الذي يملكونه ويستطيعون استخدامه، ويجيدونه.
لقد كان شيخ النقابيين راسخ القناعة بأهمية هذا الحق وبأهمية تنظيم العمال وتطوير وعيهم بحقوقهم وكيفية الدفاع عنها.
فمن يقرأ ما كتبه في مؤلفاته: «حقوق العمال في قانون العمل السوري» 1948، و«لينين والنقابات» 1970، و«حول تركيب الحزب الشيوعي الطبقي» 1971، و«أوراق حزبية ونقابية» 2004، و«أداء ومواقف سياسية وطبقية» 2005.. يلاحظ هذا الخط النقابي الكفاحي متجذراً في كل سطر كتبه، وفي فعله النضالي الذي قام به، حيث بصماته واضحة في تأسيس النقابات الأولى، وتحديداً نقابة عمال النسيج الآلي، وقيادته لإضراباتها المتكررة ودخوله السجن لمرات عدة بسبب ذلك.
كانت له كذلك مساهمته الفاعلة في توحيد النقابات الناشئة وقيادة نضالاتها الإضرابية والمطلبية.. وقد ذكرت الدراسات التي كتبت حول تاريخ الطبقة العاملة السورية الدور الذي لعبه الشيوعيون في تنظيم وتعبئة الطبقة العاملة وفي قيادة إضراباتها وفي تزويدها بالبرامج والشعارات التي تعبر عن مطالبها في تلك المرحلة، حيث انتقلت الطبقة العاملة من الحالة العفوية إلى حالة التنظيم، مما أكسب العمال خبرة ومعرفة بأشكال النضال المختلفة، وهذا ما تم حين دعا اتحاد عمال دمشق بقيادة صبحي الخطيب لإضراب عام في المدن السورية، وأصدر بياناً بمطالب الاتحاد التي على الحكومة تنفيذها خلال /15/ يوماً ولو تم هذا الإضراب لكان سيلحق الضرر بالطبقة العاملة، لأن المطالب المطروحة لا يمكن تحقيقها بهذه الفترة القصيرة وتحتاج إلى نضال طويل وتدريجي، وهو ما أصر عليه شيخ النقابيين (أبو بكري) في البيان الذي أصدره، ودعا لتأسيس اتحاد عمالي بديل سمي باتحاد العمال السوريين، وقد ضم في صفوفه /35/ نقابة من دمشق، التي انتخبته لتمثيلها مع أربعة آخرين في تأسيس الاتحاد العالمي للنقابات المنعقد في باريس عام 1945، حيث كان تأسيس هذا الاتحاد ضرورياً لمواجهة الاتجاهات اليمينية في الحركة النقابية، التي كانت تسعى إلى إخضاع النقابات للأحزاب الرجعية الممثلة للرأسماليين وأرباب العمل.
ما كان كل هذا ليحدث لولا وجود قيادة نقابية حقيقية تستند إلى رؤية صحيحة وخطاب سياسي ونقابي صحيح، خطاب استطاع أن يقنع العمال بمواقفه ومطالبه وشعاراته في اللحظة المناسبة، ودون انحراف يميني أو يساري متطرفين؟.
أيها الشيخ الجليل، لقد افتقدت الحركة النقابية رجلاً مناضلاً وقائداً عمالياً خرج من رحم الطبقة العاملة، افتقدتك الحركة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها، والتي تحتاج فيها لمثل هؤلاء القادة المكافحين من أجل قضية الطبقة العاملة السورية المناضلة لنيل حقوقها كاملة، في زمن ندر فيه الرجال، خصوصاً في ظل انقسام وتشرذم الشيوعيين إلى فصائل لا يمكنها أن تنهض بمهامها الطبقية والوطنية.
فهل ستنهض ثانية؟ هذا ما كنت تتمناه دائماً، ومانتمناه ونعمل من أجله نحن الآن.!