بصراحة: النقابات: قرار جريء في ظرف استثنائي!!
في حوارات عدة مع قيادات نقابية حول القطاع العام، وضرورة حمايته وتطويره، وتحسين أدائه وتخليصه من النهب والفساد وسوء الإدارة لمفاصل العمل الأساسية (الإنتاجية، التسويقية، الصيانة الدورية، تجديد خطوط الإنتاج، المحافظة على حقوق العمال وتطوير أدائهم المهني، تحسين أوضاعهم المعيشية،.... إلخ)، يتم طرح السؤال التالي: هل يمكن ممارسة حق الإضراب في القطاع العام من أجل الدفاع عن مكتسبات العمال وحقوقهم وزيادة أجورهم، أم أن إضراب العمال في هذا القطاع خط أحمر لا يسمح لهم به؟
جواب العديد من القيادات النقابية على هذا السؤال، بمن في ذلك رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، يتلخص غالباً في أن القطاع العام (لنا)، ولا يجوز ممارسة الإضراب أو الدعوة له بأي شكل من الأشكال، وأن الحركة العمالية ليست بحاجة إلى هذا الحق، انطلاقاً من أنه يمكن حل المشاكل مع الحكومة عبر الحوار، وعبر تدخل المسؤولين في القيادة السياسية إن استعصت القضايا المطالب بها على الحل.
وبالمقابل فإن بعض القيادات لا ترفض حق الإضراب بالمطلق، وتحديداً في القطاع الخاص، إن أقتضى الأمر ذلك، وفي الحالات القصوى.
لكن هل تستقيم هذه المواقف النقابية الرافضة، أو المترددة، أو الموافقة بخجل على تبني حق الإضراب مع ما يجري من تطورات اقتصادية واجتماعية جوهرها نسف كل المكتسبات والحقوق التي حصلت عليها الطبقة العاملة السورية، والتفريط بالاقتصاد الوطني وإنجازاته العظيمة التي مكنت سورية من الصمود والتصدي لكل أشكال الحصار الجائر الذي فرضته الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها من أجل إركاع سورية؟.
إن تبني الدولة لنهج اقتصاد السوق يعني تبنيها لكل قوانينه المتوحشة، مهما حاولت الحكومة تزيين موقفها وتحسين ملافظها وخطابها بشأن تأثير هذه القوانين على مستوى معيشة المواطنين، وخاصة الطبقة العاملة، وادعائها أنها لن تمس حقوق العمال ومكتسباتهم، وإنها لن تقوم بتسريح العمال في الشركات التابعة للقطاع العام. ولكن هذه المراوغة الحكومية، تكشفها ممارساتها الفعلية على الأرض، فقد طالت التسريحات المئات من العاملين تحت دعوى (كف اليد)، وتم نقل الآلاف من العمال من مواقعهم الإنتاجية إلى مواقع أخرى كوزارة التربية والثقافة وغيرها.. ليعملوا بأعمال لا تمت بصلة لعملهم الأساسي الذي اكتسبوا منه خبرة مهنية مهمة، بالإضافة إلى تعميم رئاسة مجلس الوزراء القاضي بعدم تعيين أي عامل جديد مهما كانت الأسباب، وآخر الفرمانات جاء من وزير الصناعة القاضي بتسريح العمال المؤقتين والموسميين. ويمكن أن نشير في هذا السياق أن معظم عمال الغزل والنسيج وعمال محالج الأقطان، وعمال الأسمنت وغيرها من المعامل هم عمال مؤقتون وموسميون. ولعل كارثة حقيقية كانت ستقع لو تم تنفيذ قرار وزير الصناعة بالتسريح، خصوصاً من جهة مفاعيله الاجتماعية.
إزاء هذه الإجراء الحكومي ماذا كان على النقابات أن تفعل؟ هل تعالج هذا الإجراء الحكومي وفقاً للمنطق السائد في الحركة النقابية من خلال الحوار مع الحكومة على أرضية التشاركية؟ هل كان ذلك سيوقف إجراء الحكومة بقرارها التسريحي لآلاف العمال؟!
إن قرار النقابات السريع والحازم بالتلويح باستخدام حق الإضراب لعب الدور الأساسي في إيقاف هذه المجزرة التسريحية الحكومية، وما كان غير قرار جريء كهذا سيوقف عملية التسريح.. وبهذا تكون الحركة النقابية قد خطت الخطوة الأولى في العودة إلى قواعدها باعتبارها الممثل والمدافع المفترض عن حقوق العمال ومكتسباتهم، وهذا لا يعني أن النقابات باتخاذها هذا القرار أو بتبنيها لحق الإضراب وفقاً للمواثيق والمعاهدات والاتفاقيات التي وقعت عليها سورية كحكومة، والنقابات كممثلة عن العمال، كانت ستهدد الأمن والسلم الاجتماعي، بل العكس هو الصحيح، فقرارها الحكيم هذا ساهم في إطفاء النار التي أوشكت الحكومة على إشعالها، استمراراً لإجراءاتها الاقتصادية والاجتماعية المتلبرلة، ومنها عدم تأمين العمل الكريم واللائق لجيش العاطلين عن العمل.
إن تجربة النقابات الجديدة في قرارها الأخير لطي قرار تسريح العمال المؤقتين والموسميين، لابد أن تكون انطلاقة لتغيير آليات العمل النقابي المتناسبة مع آليات عمل قوى السوق، والجوهر فيها حرية وحق قوة العمل في الدفاع عن حقوقها بالتوازي مع جشع رأس المال الممنوح كل الحرية في الاستغلال والنهب. فهل تستمر النقابات بخطوتها هذه إلى الأمام؟؟