الطبقة العاملة.. والسياسات المتبعة
تدعي الحكومة باستمرار أن الاستثمار في سورية في تقدم وازدهار مستمرين، وأن سياسات الانفتاح وتشجيع الاستثمار أدت غرضها في التشغيل وتحريك السوق بعد إرضاء المستثمرين بكمّ هائل من التسهيلات والقوانين والتشريعات، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة دائماً: أين صبت هذه الاستثمارات؟ وما هي الفائدة التي جناها المواطن من كل هذه المتغيرات؟ وهل راعى المسؤولون الاقتصاديون مصلحة المواطن عامة، والطبقة العاملة خاصة عندما اختط هذا السبيل؟
رغم كل ذلك الابتهاج بالاستثمار، فإن المواطن الذي لم يستطع الحصول على فرصة عمل في القطاع العام، مازال يقدم كفريسة سهلة للقطاع الخاص، وما يزال عرضة للاستغلال ويُسرق جهده مقابل أجور ضعيفة لا تتناسب مع طول وقت العمل الذي يزيد غالباً عن /12/ ساعة يومياً، في حين أن القطاع الخاص في معظم دول العالم يحدد ساعات العمل بثماني ساعات يومية مقابل أجور مناسبة، مع تهيئة ظروف عمل صحية تكفل للعمال الاستمرار في العطاء.
إن عامل القطاع الخاص في بلدنا لا يتمتع بأي من هذه الحقوق، ومن أشكال الاستغلال المعروفة التي يتبعها أصحاب رؤوس الأموال إجبار العامل على توقيع أوراق يعترف بها بأنه قدم استقالته طوعياً، وبأنه تقاضى تعويض نهاية الخدمة قبل أن يباشر عمله مع ترك التاريخ دون تحديد، ليبقى العامل تحت رحمة رب العمل وعرضة للتسريح في أي وقت يرغب به رب العمل.
كما أن العامل في القطاع الخاص لا يتمتع بأي نوع من الضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي في حال تعرضه لأية إصابة قد تبعده عن العمل بقية حياته، إضافة إلى استمرار وجود أسلوب المعاملة الفوقية واللا أخلاقية التي يمارسها أرباب العمل مع عمالهم، مستغلين تفشي ظاهرة البطالة وقلة فرص العمل، مما يجبرهم على قبول أي عمل مهما كانت ظروفه سيئة خشية أن ينال منهم شبح البطالة، لذلك فهم يتحملون جور وأجور أصحاب رؤوس الأموال، الشركاء مع المتنفذين الذين تربطهم علاقات منفعة متبادلة على مبدأ (فد واستفيد).
إن شريحة واسعة من المسؤولين الحكوميين يقدمون تسهيلات كبيرة تساعد حيتان السوق على التهرب من استحقاقاتهم تجاه الطبقة العاملة، وتجاه الخزينة من ضرائب مترتبة عليهم، أو تخفيضها بطرق غير شرعية.
من المؤكد أن العامل هو الخاسر الوحيد أو الأكبر في حمأة الاستثمار الجارية في البلاد، والذي لم يلمس حتى الآن أي تغيير إيجابي ملموس في مستوى معيشته، بل على العكس، فقد زادت هذه السياسات وما يتبعها من مراسيم وقرارات وإجراءات، من شعور هذا العامل بالغربة داخل بلده.. وازدادت أوضاعه المعيشية تردياً، مما يضعنا أمام إشارات استفهام كثيرة حول كل ما يجري، ولا بد من أن نضع المشكلات الناشئة تحت المجهر، والعمل على إيجاد حلول لها قبل أن تفرغ البلاد من مواطنيها نتيجة الهجرة بحثاً عن فرصة عمل شريفة ومجزية خارج البلاد.