بصراحة: سبعون عاماً على تأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال
سبعون عاماً ونيف مضت منذ رأى الاتحاد العام لنقابات العمال النور، أعوام مليئة بالنجاحات والإخفاقات، تارة يتقدم، وأخرى ينكفئ مؤقتاً، وذلك تبعاً للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة، والتي تناضل ضمنها الحركة النقابية والعمالية.
لم يولد أو يتكون الاتحاد العام بمرسوم أو قرار أو بإرادة سامية، بل تكون بإرادة الطبقة العاملة ومناضليها النقابيين الأوائل، الذين أدركوا منذ اللحظات الأولى، وبحسهم الوطني والطبقي، أهمية أن يكون للطبقة العاملة السورية تنظيمها النقابي، المعبر والمدافع الحقيقي عن مصالحها وحقوقها.
لقد وعى أجدادنا النقابيون أهمية أن تكون النقابات مستقلة عن أرباب العمل، ووعى المناضلون الأوائل أهمية أن تكون الحركة النقابية والعمالية موحدة الإرادة والعمل من أجل حقوقها النقابية والديمقراطية، ومن أجل ثمان ساعات عمل، وأجر عادل وحقوق مُصانة.
لقد وعى الرواد الأوائل أهمية النضال الوطني، والانخراط في هذا النضال مستخدمين كل أشكال المقاومة للاحتلال، إلى جانب كل القوى الوطنية والشريفة، من أجل الهدف الأول الذي لا يعلو عليه هدف، وهو طرد الاحتلال وإنجاز الاستقلال التام السياسي والاقتصادي، دون أن تكون هناك وصاية من أحد على القرار الوطني المستقل، الذي يعبر عن إرادة شعبنا في الحرية والاستقلال والديمقراطية والعيش الكريم.
إن الحركة النقابية والعمالية خاضتا نضالاً صعباً وشاقاً، دفعتا فيه ثمناً غالياً، سجناً وتشريداً وجوعاً، من أجل حقوقها، مستخدمةً سلاحها الوحيد الذي تملكه، والذي أثبت تاريخ الحركة العمالية أنه السلاح الأمضى والفعال في مواجهة القوى الرأسمالية التي تملك كل ما يمَكِّنها من استغلال وقمع الطبقة العاملة وإخضاعها لإرادتها وسلبها حقوقها.
لقد استخدمت الطبقة العاملة حق الإضراب الواسع دفاعاً عن حقوقها، ومن خلال هذا الحق خلقت الطبقة العاملة والحركة النقابية توازناً في القوى، أجبرت عن طريقه القوى البرجوازية على الخضوع لإرادة وقوة الطبقة العاملة في إقرار حقوقها المشروعة، وكان ثمن هذا النضال الواسع أن أقرت أول حكومة بعد الاستقلال قانون عمل ينظم العلاقة التعاقدية بين العمال ورأس المال، وأهم ما بهذا القانون إلى جانب الحقوق الأخرى، إقراره حق الإضراب للطبقة العاملة وفقاً للمادة /166/ من القانون /279/ تاريخ 11/6/1946، حيث بينت هذه المادة أن إضراب العمال مجتمعين لا يفسخ عقد العمل، شريطة أن يتقيدوا بأحكام المواد اللاحقة والتالية.
وبهذا يكون القانون قد عكس نسبة القوى الطبقية، والعلاقة بين القوى المشاركة في النضال الوطني آنذاك، حيث لعبت القوى الشريفة والحريصة على وحدة الحركة النقابية دوراً أساسياً في تعزيز وحدتها التنظيمية التي توِّجت بالإعلان عن قيام اتحاد عمالي واحد لكل العمال السوريين، بعد أن حاولت البرجوازية تفتيت الحركة النقابية وحرفها عن أهدافها الأساسية، وجعْلِها أداة تخدم استغلالها للحركة العمالية، عبر ممثليها في النقابات، ومحاولة استخدام الحركة النقابية في حراكها السياسي.
لقد لعبت القوى الوطنية والتقدمية، وعلى رأسها الشيوعيون السوريون، دوراً هاماً في صون وحدة واستقلالية الحركة النقابية، وجعلها قوة أساسية في حياة البلاد السياسية والاقتصادية، وهذه القوى مطالَبة اليوم أكثر من أي وقت آخر بتعزيز وحدة واستقلالية الحركة النقابية، في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها بلادنا وشعبنا والطبقة العاملة، فهي ظروف صعبة ومعقدة وضعتنا فيها التغيرات التي جرت على الصعيد العالمي والإقليمي والمحلي، وخاصة ظروف الأزمة العميقة للإمبريالية، وانهيار نظريتها الاقتصادية (الليبرالية الجديدة) التي حاولت تعميمها مستخدمةً، أدواتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، التي تقدم توجيهاتها الاقتصادية والاجتماعية (الإصلاحية)، والتي على رأسها الهجوم على حقوق الطبقة العاملة ومكاسبها، وخاصة تخفيض أجور العمال ورفع سن التقاعد وتخفيض الاشتراكات التأمينية، حيث تَعتبِر تلك المؤسسات المالية المهيمَن عليها أمريكياً، أن الطريق للإصلاح الاقتصادي يمر عبر الاعتداء على حقوق الطبقة العاملة وتقييد حريتها، وبالمقابل إطلاق حرية القوى الرأسمالية في الاقتصاد والمجتمع والسياسة.
إن الحركة النقابية والطبقة العاملة السورية تتحملان مسؤولية استثنائية في الدفاع عن الاقتصاد الوطني وحمايته وتحسين أدائه وتطوير آلياته الإدارية وتخليصه من النهب والفساد، ليعود ويأخذ القطاع العام موقعه الريادي والقيادي في الاقتصاد الوطني، الذي يريده شعبنا أن يكون اقتصاداً مقاوِماً بكل ما تدل عليه هذه الكلمة من معنى.
تحية للطبقة العاملة السورية.
تحية إلى كل المناضلين الذين ضحوا من أجل قضية الوطن... قضية الطبقة العاملة.
تحية إلى الحركة النقابية في ذكرى تأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال.