من أجل تحقيق العدالة.. 1- 4
مساهمة من «قاسيون» في الحوار الجاري حول تعديل قانون العمل رقم/17/ سنقدم هذه الرؤية على أربع حلقات متتالية، بهدف إغناء الحوار والوصول لأفضل الصيغ لمصلحة الطبقة العاملة السورية.
مقدمة:
قد يتراءى للمواطنين أن العدل والعدالة مسميان لمفهوم واحد ,إلا أن فقه وفلسفة القانون فرقا ما بين العدل والعدالة حيث جرى تعريف كل منهما:
العدل: هو أن يطبق القانون على جميع المواطنين بالتساوي وهذا مبدأ كرسه الدستور الجديد.
العدالة: هي أن يؤدي تطبيق القانون إلى تحقيق الإنصاف وإيصال كل ذي حق إلى حقه .
وهنا يكون السؤال كيف يمكن أن لا يؤدي تطبيق القانون بين المواطنين بالتساوي إلى تحقيق العدالة ؟؟؟
الجواب يكمن في القانون نفسه فقد يكون منطوياً على خطأ أو يكون قد أعد على عجل وقبل الإحاطة بجميع جوانب الموضوع المراد تنظيمه، أو يكون قد مر على صدوره زمن طويل بحيث لم يعد يؤدي تطبيقه لتحقيق العدالة لأن القانون يصدر لتنظيم أمر معين وفقاً لمتطلبات متوافرة بتاريخ إصداره ويمكن لتلك المتطلبات أن تزول أو تتغير.
ويتضح من هذا المنطلق أن القانون هو المحور الأساسي لتحقيق العدالة والإنصاف ما بين المواطنين فإذا جرى إعداده من المختصين ذوي الخبرة، وجرت الاستعانة برجال القانون من العاملين في مجال إعداد القوانين وفي مجال ممارستها والتعامل معها وتمت دراسته بشكل مستفيض من ممثلي المواطنين أعضاء مجلس الشعب فإن ذلك القانون يمكن أن يؤدي تطبيقه إلى تحقيق العدالة.
كما يكمن الأمر في متابعة مدى ملاءمة القوانين النافذة لاحتياجات المواطنين، والجهات المطبقة عليها لأن تلك القوانين يمكن أن تكون ملائمة بتاريخ إصدارها أما بعد انقضاء فترة زمنية على تاريخ صدورها قد تتغير خلالها المعطيات أو الأسس التي صدرت تلك القوانين وفقاً لها فيغدو من الضروري تعديلها بما يتلاءم والمتغيرات الحاصلة.
كما قد يثبت في الواقع العملي أن القانون لم يحط بجميع المتطلبات العملية للواقعة التي صدر لتنظيمها وهذا الأمر يظهر من التعامل مع القانون وتطبيقه على أرض الواقع خاصة وأن غاية المشرع هي إيجاد الحلول الجذرية للمشاكل المستعصية وليس الحلول المؤقتة أو المرحلية أو الحلول القاصرة والظالمة.
وهذا الأمر تبين عملياً من التعامل مع قانون العمل رقم 17 لعام 2010 حيث وجدت قناعة لدى جميع المتعاملين بهذا القانون من قضاة ومحامين ومواطنين ونقابات أنه بحاجة للتعديل والإضافة إليه ,كما أن بعض مواده بحاجة للتعديل الجذري كي يتماشى مع متطلبات الحياة العملية وتلبية لطموحات العمال تلك الفئة التي تعد القاعدة الأساسية التي تم من أجلها تقنين التشريع العمالي وانسجاماً مع فكر القانون الاجتماعي الذي يسعى إلى حماية العمال بما يتوافق مع اتفاقيات العمل الدولية والعربية التي وقعت سورية عليها.
لذلك جرى إعداد هذه الدراسة التي لايقصد منها انتقاد أحد وإنما تتضمن بعض المقترحات التي إذا وجدت طريقا للتقنين فقد تسهم في تطوير التشريع النافذ وفي تحقيق العدالة للحقوق العمالية.
التعديلات والإضافات يمكن تلخيصها بما يلي:
أولاً -العقد شريعة المتعاقدين:
المبدأ الحقوقي العادل في كل ما يخص الإرادة الحرة الصريحة الصادرة عن أطراف العقد وهو مبدأ حقوقي مقدس، وللأسف استعمل هذا المبدأ كسلاح ذي حدين في القواعد القانونية الناظمة لعلاقات العمل الواردة في القانون 17 لعام 2010. حيث يتم تنظيم عقد عمل مكتوب بين العامل وصاحب العمل وهي الفائدة التي جناها العامل لإثبات التابعية، ويعتبر العقد قرينة قانونية قاطعة إذ لم يعد بمقدور صاحب العمل في هذه الحالة التنصل من علاقة العمل التي تربطه مع العامل بواسطة العقد.
وهنا نتساءل: هل العامل (الطرف الضعيف) صاحب إرادة حرة كاملة وغير منقوصة تخوله توقيع عقد العمل؟؟؟
والجواب بديهي بأنه لايستطيع أحد أن ينكر بأن العامل الذي يسعى وراء لقمته ولقمة من يعيلهم ليس حراً باختيار شروط العقد المناسبة لكسبه المحدود، وإنما هناك عوامل تؤثر في إرادته (الحرة) للتوقيع وأهمها الجانب المعاشي.
إذا المبدأ «العقد شريعة المتعاقدين» على أهميته من الجانب الحقوقي إلا أنه استعمل أداة لهضم حقوق العمال وإبعادهم حتى عن الوسائل القانونية لتحصيل حقوقهم المشروعة.
لأن العديد من مواد القانون 17 الناظمة لعقود العمل هي أشبه ما يمكن تسميته «عقود إذعان» حيث لاحول ولاقوة لإرادة العامل فيها وتجعل حقوق العمال رهينة بيد أصحاب العمل. فإما أن يلتزم العامل بما يقدم إليه من شروط، وإلا فلا عمل ولا مردود مادي لتستمر الحياة في أضعف الإيمان.
وهنا الاحتمالات تفتح على أوسع أبوابها والخشية كل الخشية عندها حيث لاعمل ولا مردود مادي يعيل العامل نفسه فنبدأ نرى مظاهر التشرد والتسول، والجنوح والجريمة، وهذا ما يميز قانون العمل بأحد جوانبه على أنه ضمانة اجتماعية راسخة تساعد في الحد من بعض المظاهر الاجتماعية المذكورة سابقاً وهذا طبعاَ في حال كان القانون واضحا صريحاً باتجاه تحقيق العدالة.
من خلال ماسبق ذكره:
لابد من تجميد مفاعيل القاعدة «العقد شريعة المتعاقدين» فيما يخص العلاقات العمالية ويجب أن يتضمن قانون العمل نصوصاً قانونية آمرة «أي لا يمكن الاتفاق على خلافها» تحمل صيغة الإلزام على صاحب العمل ضمانة لحقوق العامل.
ثانياً:
ما الغاية من استثناء العمال الزراعيين وعمال البناء وخدم المنازل من تطبيق أحكام القانون!؟.. ألا يعتبر هؤلاء قوة عمل إنتاجية، ويستحقون حقوقهم أم أنهم من كوكب آخر..!! لذلك يجب إعادة النظر بذلك وخاصة المادة الخامسة من القانون بالفقرات /4-5-6-7/.