بصراحة: البيئة التشريعية وحقوق العمال
منذ التشكيلات الاجتماعية الأولى والفقراء يخوضون صراعاً ضارياً من أجل تحسين ظروف حياتهم المعيشية، وتحصيل حقوقهم التي يسرقها منهم من ولي على لقمة عيشهم مرةً بحكم العادات الموروثة، وأخرى باسم الدين، وثالثة بحكم القوانين التي يضعها الأغنياء حتى يؤمنوا تدفق الأرباح إلى جيوبهم، وبالمقابل فإن الفقراء يثورون على مستغليهم عندما تصل درجات الأستغلال إلى حدودها القصوى التي لم يعد بالإمكان تحملها، والتاريخ مليء بهذه الثورات حيث استطاع المقهورون والفقراء تعديل شروط الاستغلال والنهب، ولكن ضريبة ذلك كانت باهظة ومكلفة أضطر أولو النهب معها أن يعدلوا من شكل استغلالهم، بطرق مستحدثة تفتق عنها ذهن الطبقات المُستغلة، خاصةً في التشكيلة الرأسمالية التي تعرضت فيها الطبقة العاملة لأبشع أنواع الاستغلال، وبإرادتها الحرة، حيث لم يعد العامل مجبراً على العمل عند رب عمل بعينه، ولكن هو خاضع لما يتفق عليه مجموع الرأسماليين بمواجهة مجموع العمال المفروض عليهم «العقد شريعة المتعاقدين» الذي هو في نهاية المطاف عقد يراد منه إخضاع مجموع الطبقة العاملة لمجموع الرأسماليين المتحدين بموقفهم من حقوق العمال على أساس القوانين والتشريعات التي تصدرها الحكومات المعبرة عن مصالح الطبقات المُستغلة.
إن القوانين المنظمة للعلاقة بين العمال وأصحاب العمل تكون حصيلة لموازين القوى السائدة، وعندما تكون موازين القوى مختلة لمصلحة الرأس مال تأتي القوانين متوافقة مع مصالحهم مع القليل من الفتات يرمى للطبقة العاملة، والطبقة العاملة السورية ليست استثناء من ذلك، فهي تعرضت للمظالم والقهر منذ بدايات تشكلها كطبقة وتحررها من أن تكون مع أرباب العمل في منظمة واحدة، وذلك بفضل وعي طلائعها الأولى التي وعت، وناضلت من أجل ان يكون للطبقة العاملة السورية تنظيمها المستقل المدافع عن حقوقها، ومصالحها بما فيها القوانين الناظمة للعلاقة مع أرباب العمل الذين يعملون ما في وسعهم على أن تكون القوانين والتشريعات محققة لمصالحهم، وتحديداً مسألة الأجور التي يقاتل أرباب العمل كي تبقى زيادتها أو تخفيضها ضمن السيطرة من خلال التشريعات، ولكن لا تجري الرياح دائماً بما تشتهي السفن، وهنا سنضرب مثلاً من تاريخ الحركة النقابية السورية بعد الاستقلال، وتحديداً عام(1946) عندما كان البرلمان السوري منعقداً والكثير من أعضائه لا رغبة لديهم بمناقشة قانون العمل المقترح، حيث أعلن الاتحاد العام لنقابات العمال في مؤتمره المنعقد آنذاك الإضراب العام حتى تلبى مطالبه وتضمينها في قانون العمل المقترح، وهذا العمل قد أفزع البرجوازية السورية إلى حد أن خالد العظم قد حضر المؤتمر وقدم تعهده بأن يتضمن قانون العمل المطالب العمالية ومن ضمنها حق الإضراب للطبقة العاملة إذا ما رفض أرباب العمل تلبية مطالب العمال خلال ثمان وأربعين ساعة من تقديم تلك المطالب، وهذا الموقف النضالي لقيادات العمال العاملين على الأرض قد عزز من قوة الطبقة العاملة وجعلها قوة أساسية من القوى الوطنية التي ناضلت من أجل أن يكون الاستقلال كاملاً غير منقوص، وقاومت المشاريع والأحلاف الاستعمارية على مختلف ألوانها، وأشكالها.
الطبقة العاملة السورية اليوم بحاجة لاستعادة تجربتها الكفاحية، ولكن بما يناسب ظروف الصراع السياسي الجاري الآن، حيث تقوم القوى المعادية الداخلية، وهناك من يساندها في الخارج، بترتيب أوراقها، وأدواتها كي تحول نتائج الصراع لمصلحتها بما فيها الاقتصادية، والتشريعية، وهذا يتطلب حراكاً شعبياً وسياسياً مضاداً عماده الطبقة العاملة السورية بما تملكه من قوى حقيقية تمكنها من قطع الطريق على القوى المعادية، وكي تستعيد هذه الإمكانيات لابد من حوار واسع يجري داخلها تقوم به الحركة النقابية مع القواعد العمالية لرسم خارطة الطريق الوطنية التي ستخرج سورية من أزمتها، وترسم معالمها المستقبلية في تحقيق العدالة الاجتماعية، وإعادة توزيع الثروة، وتبني النموذج الاقتصادي الذي سيحل الأزمات الاجتماعية المستعصية كالفقر والبطالة.