عادل ياسين عادل ياسين

بصراحة: تقرير اتحاد عمال دمشق: السياسات الاقتصادية أوصلت الشعوب إلى الانتفاضة

أنهى اتحاد عمال دمشق مؤتمره السنوي مقدماً تقريراً موسعاً تضمَّن حصيلة عمل الاتحاد ونشاطه ورؤيته السياسية والاقتصادية والنقابية خلال عام كامل. وأخذت التطورات السياسية والجماهيرية التي حدثت في مصر وتونس واليمن والبحرين حيزاً مهماً من التقرير، حيث توقف عند مسبباتها العميقة التي أدَّت بالجماهير في أكثر من دولة عربية إلى النزول إلى الشارع مطالبةً بحقوقها وكرامتها الوطنية التي استبيحت لعقود بفعل آلة القمع والحرمان والنهب، الذي حرم الجماهير من أبسط حقوقها في الحياة الكريمة.

 

لقد انتفضت الجماهير وهي تعلم أنها ستقدم التضحيات الجسام على مذبح حريتها وكرامتها الوطنية، وقد قدمت خيرة مناضليها شهداء وجرحى، وحققت جزءاً من مطالبها وهو إسقاط العروش الخاوية ورموزها التي عاثت فساداً في العباد والبلاد.

جاء في التقرير السياسي الذي قدمه المكتب التنفيذي لاتحاد عمال دمشق حول التطورات العاصفة التي شهدتها المنطقة: (... ولكي تضمن هذه الأنظمة صمت الشعوب، عملت وبشكل دؤوب على انتهاج سياسات الإفقار والتجويع، حيث انخفاض معدلات التنمية، انتشار البطالة والفقر، ووصول الاقتصادات الوطنية إلى حافة الانهيار، كانت نتائج حتمية لمقدمات كان يراد لها أن تصل إلى ذلك....).

إذاً الأسباب الكامنة وراء انتفاضة الشعوب وتعمق الأزمات المتلاحقة الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية، والتي جزءٌ منها هو السياسات الاقتصادية حيث أشار إليها التقرير، والتي انتهجتها الحكومات العربية بما فيها (حكومتنا) العتيدة، قد عمقت الفقر والبطالة وفتحت البلاد على مصراعيها أمام رأس المال الأجنبي والعربي والمحلي، دون رقيب أو حسيب، وذلك حسب توجيهات صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين ينصحان ويصران بنصيحتيهما لهذه الحكومات أن تتخلى عن واجباتها تجاه شعوبها إذا ما ارادت هذه الحكومات أن تطور (اقتصاداتها)، والتخلص من إرث النظام الاقتصادي المخطط (والموجَّه)، الذي لعب دوراً مهماً في الصمود الوطني ومواجهة المخاطر السياسية والعسكرية التي تعرضت لها سورية في مراحل سابقة، ومازالت حتى الآن تتعرض لضغوط حقيقية داخلية وخارجية من قوى نمت وترعرعت في ظل النهج الاقتصادي الليبرالي، الذي عجز عن التصدي وحل الأزمات المستعصية، حيث كبرت نسب النهب والفساد بشكل هدّام، على حساب نسب النمو الحقيقية المرجوّة، والتي اشار إليها التقرير الاقتصادي للاتحاد قائلاً: (إن عدم تلمس الشرائح الأوسع في المجتمع لثمرات النمو بشكل واضح وملموس يُظهر أحد أمرين: إما أن نتائج النمو قد ذهبت إلى جيوب الأغنياء، أو أن الأرقام المعلنة مبالَغ فيها وغير صحيحة، وفي كلتا الحالتين فإن إصلاحاً يتوجب لحظه في هذه المسألة).

وأضاف التقرير أن أهداف الإصلاح الإداري المقترح هي: (ترسيخ مفهوم المواطن، وتعزيز إحساس المواطن بأنه مشارك في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأن الدولة تعمل على خدمته ورفاهيته، وتتعامل معه باحترام وعدالة ومساواة، وفقاً لمبدأ سيادة القانون).

لقد وعت نقابات دمشق من خلال ما جاء في تقريرها المخاطر المتعاظمة التي يتعرض لها الوطن والاقتصاد الوطني بسبب السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تصر الحكومة على السير فيها قدماً، بالرغم من الاحتجاجات الواسعة التي تبديها شرائح مهمة من المجتمع، بأحزابه وشخصياته الوطنية ومنظماته النقابية والمهنية، على تلك السياسات ومخاطرها، التي تتطور بفعلها مظاهر الاستياء والتذمر، حيث يتطلب اليوم وليس غداً، التصدي الحازم لهذه السياسات ومواجهتها وإسقاط رموزها، ولم يعد مقبولاً من أحد، وخاصةً الحركة النقابية، الاستمرار والإصرار والإشادة بالإنجازات الترقيعية التي تقوم بها الحكومة باعتبارها خطوات إصلاحية ستؤدي نتائجها إلى تخفيف الأعباء عن الفقراء ومنهم الطبقة العاملة السورية، التي تكتوي كثيراً بنيران تلك السياسيات، بانخفاض أجورها الحقيقية وتدني مستوى معيشتها وفقدانها للكثير من مكاسبها وحقوقها، وفرض القوانين الجائرة على عمال القطاع الخاص، والتضييق على حركة العمال، وإطلاق حرية رأس المال وقطعانه.

إن تأخُّر النقابات في اتخاذ موقف جاد وحازم من السياسات الحكومية ونهجها الاقتصادي الليبرالي، يعني الموافقة على نتائج تلك السياسات، وعندها ستقول الطبقة العاملة كلمتها الفصل، لأن للصبر حدود.