ضمن سلسلة الإجراءات المخالفة للقوانين وزير الصحة ينقل رئيس لجنة نقابية رغماً عن التنظيم النقابي
في الوقت الذي تحاول فيه القيادة السورية، حكومة ومنظمات، السير قُدُماً بإجراء خطوات إصلاحية سياسية واقتصادية استجابة لمطالب الشارع السوري وحركة الاحتجاجات الشعبية المحقة، التي اندلع لهيبها منذ أكثر من ثلاثة أشهر في معظم المدن السورية، ما زال بعض الوزراء في الحكومة الإصلاحية التي يقودها عادل سفر يتخبطون في تعاملهم مع أبسط القرارات والقوانين النافذة، من هذا أن يعتبر وزيرٌ نفسه وصياً على منظمة نقابية لها تاريخها ورصيدها النضالي، واستقلاليتها في اتخاذ القرارات المصيرية التي تهم الطبقة العاملة السورية بشكل عام، بينما المطلوب منه في هذا الوقت بالذات العمل الجاد لمكافحة الفساد المستشري في وزارته، والذين أبدعوا في هدر المال العام.
ففي وزارة الصحة أصدر وزير الصحة وائل الحلقي أمراً إدارياً بتاريخ 11/6/2011، يرجع أسباب صدوره بناءً على مقتضيات المصلحة العامة، يأمر في مادته الأولى بتكليف وليد الصمادي، السائق، من الفئة الرابعة في الإدارة المركزية وتوابعها، دائرة النقل، بالعمل في الهيئة العامة لمشفى الهلال العربي السوري. وفي مادته الثانية: تلغى كل الصكوك المخالفة لهذا الصك. ليختم الأمر بـ«يبلغ هذا الأمر من يلزم لتنفيذه».
فور سماع اتحاد عمال دمشق بالخبر أرسل كتاباً مباشراً لوزير الصحة تحت الرقم 422/ص تاريخ 20/6/2011، يشرح فيه اعتراضه على القرار كلياً، حيث جاء بالكتاب «قضت المادة 31 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004، ولاسيما الفقرة 5 بعدم جواز نقل عناصر القيادات النقابية من التجمع العمالي الذي انتُخِبت فيه خلال فترة ممارستها لمهامها النقابية، وكنتم أصدرتم الأمر الإداري رقم 3/17177 تاريخ 19/6/2011 بتكليف السيد وليد الصمادي (سائق) بالعمل في الهيئة العامة لمشفى الهلال العربي السوري، وبما أن العامل النقابي المذكور هو رئيس لجنة نقابية منتخَب في تجمع الإدارة المركزية وتوابعها (دائرة النقل، مرآب وزارة الصحة). يرجى التفضل بالاطلاع والموافقة على طي الأمر الإداري المذكور إنفاذاً لأحكام القانون الأساسي للعاملين بالدولة، وقانون التنظيم النقابي رقم 84 وتعديلاته».
الاتحاد العام لنقابات العمال عموماً واتحاد عمال دمشق خصوصاً أكدا في أكثر من مناسبة أن القضايا من هذا النوع يجب عدم المماطلة فيها لأنها ليست قضية عامل أو فلان من الناس، وإنما القضية هي الحفاظ على كرامة المنظمة واحترام وتطبيق قانون تنظيمها النقابي، وليس لهذا فقط، بل لأن أي تراجع عن أي مكسب عمالي من هذا القبيل سيدفع بمدراء آخرين للانتقاص من المكاسب العمالية التي حققتها بنضالها، ما يعني عدم التنازل عن بعض المكاسب مهما كانت صغيرة أو كبيرة، ثانياً هناك شيء اسمه تسلسل العقوبات، فلماذا لم تعتمد الوزارة هذا الأسلوب للنيل من حقوقها ومحاسبة العامل بناء على أخطاء ارتكبها شرط أن تكون هناك وثائق تثبت ارتكابه تلك المخالفات، أي كشف أية «مستمسكات» تثبت إدانته. وقد صرح مصدر في المكتب التنفيذي في اتحاد عمال دمشق لـ«قاسيون» أن «الوزير إن لم يتراجع عن قراره المخالف أصلاً لقانون التنظيم النقابي، سيرفع الاتحاد دعوى قضائية مستعجلة على الوزير بسبب إعطائه هذا الأمر»، وأكد المصدر أن «رفع دعوى قضائية لحل القضية وارد، خاصة وأن القضية ضمن سياقها القانوني المعتمد على قانون التنظيم النقابي، ومشكلة القضايا من هذا النوع أن جلسات الدعوى تجري كل 15 يوماً، بالإضافة إلى أن العطلة القضائية، مع إغلاق هذا العدد من الجريدة، تكون بدأت ولتستمر 18 يوماً».
ويبدو أن المخفي الأعظم الذي استطعنا الحصول عليه بطرقنا الخاصة، أن هذا العامل هو نفسه الذي كشف حالات فساد واضحة في عدة قضايا تطلبت دخول الجهاز المركزي للرقابة المالية بالتحقيق، وخاصة ما ذُكر في التقرير التحقيقي رقم 2/أ.م.ن تاريخ 22/2/2010، المتضمن نتائج التحقيق في المخالفات المثارة لدى وزارة الصحة ومرآبها (محاسبة المحروقات) الذي تم تحويله للمحامي العام بدمشق بتاريخ 21/2/2011.
كما علمنا أن د. جمال الوادي معاون الوزير ولدى استشارته في القضية أكد أن القضية ليست قانونية، وهي بكل التفاصيل لمصلحة العامل، لأن قانون التنظيم النقابي كان واضحاً منذ البداية في هذه القضية. والعاملون في وزارة الصحة استغربوا متسائلين: إذا كانت محاسبة رئيس لجنة نقابية تتم بهذه الطريقة المخالفة، فكيف ستتم معالجة القضايا الأخرى مثل بعثة الحج التي فيها الكثير من الانتقائية منذ عهد الوزراء السابقين؟ وبدل أن تكون مهمتها طبية في مرافقة الحجاج والاهتمام بهم، ومعاينتهم من الأمراض والآفات، تصبح مهمة اختيارها (تنفيعة لفلان وعلتان)، فهل من المنطقي مثلاً أن يتم اختيار إداري لا دخل له بمهنة الطب في بعثة الحج، لمجرد إنه عامل في الوزارة؟
وحسب المعلومات التي حصلنا عليها من الوزارة يبدو أن البعض هناك قد ورَّط الوزير باتخاذه قرار كهذا ، ولم يكن من المنطقي التنازل عن قراره بهذه السرعة، علماً أن التراجع عن الخطأ فضيلة، وبالتالي ستزيد من محبة وتعاون العمال والنقابات معه في قيادة دفة الوزارة التي تعاني من الفساد في معظم هياكلها.
ويمكن القول إنه كان من الأجدى بالوزير الذي استلم منصبه في ما سميت بحكومة الإصلاح، العمل على قطع دابر الفساد والفاسدين الذين استشروا في وزارة الصحة خلال الأعوام الفائتة، والتي خصصنا أكثر من أربع تحقيقات عن ذلك خلال فترة ثلاثة أشهر، وبالأدلة القاطعة، وكان آخرها قضية المهندسين المدنيين في مشفى ابن سينا«نضال سلوم وبيداء سليمان» والمخالفات المرتكبة من الإدارة، وإذا كان من قضايا يجب مراجعتها فكان الأجدى منه مراجعة القرار والخروقات التي كشفها العامل المفصول في مرآب الوزارة التي تم تحويلها للجهاز المركزي.
لقد أصبح الفساد أكبر تحد للمجتمع السوري ويستنزف مبالغ كبيرة من الدخل الوطني السوري، وهذا هو التحدي الحقيقي أمام الوزير، وليس بنقل رئيس لجنة نقابية جاء منتخباً من تنظيمه النقابي، لذا فإن التراجع عن القرار فيه مصلحة للوزارة والنقابات معاً.