نحو حلول جذرية اقتصادية - اجتماعية
أصبح من المؤكد عند الكثيرين من أنصار الحكومة السابقة وفريقها الاقتصادي، أن السياسات الاقتصادية الليبرالية التي اتبعت في العقد الأخير أوصلت البلاد والعباد إلى وضع كارثي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وربما أصبح دأب العمل الحكومي الحالي محاولة ترقيع تلك السياسات والتخفيف من آثار ما أنتجته سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، حيث نلاحظ كثرة المراسيم والقرارات والتوجيهات التي تسعى الحكومة الحالية من خلالها لحلحلة الأخطاء الكبيرة التي خلفتها خمسة عقود من التخبط، وخاصة بعض ما تركته لها الحكومة السابقة من تركة ثقيلة كان لها الدور الرئيسي في خلق المسببات العميقة لانفجار الوضع الاجتماعي بشكل واضح وسافر مؤخراً، والمتجلي باحتجاجات شعبية انطلقت غاضبة ساخطة نتيجة تراكمات كبرى تكونت مدار عقود دون إيجاد حلول حقيقية لها، بالرغم من وضوحها التام أمام من بيده الحل والربط.. حيث كانت تُطرَح المطالب والحقوق من بعض الأحزاب والقوى، ومن النقابات المهنية والعمالية في المؤتمرات والاجتماعات، ولكن الحكومة وفريقها الاقتصادي كانت لديهم توجهات أخرى مغايرة لمطالب الشعب السوري المشروعة..
يعبر الحراك الشعبي الواسع الجاري في مختلف المناطق والمدن السورية اليوم، عن عهود طويلة من الكبت وضياع الحقوق، فها هو يرفع شعاراته المطالِبة بمحاسبة من أوصله إلى ما وصل إليه من فقر وجوع وبطالة وتدنِّ في مستوى التعليم وأزمة في السكن اللائق، وأزمة في المجال الصحي.. إلخ من الأزمات الأخرى التي هي حالة مكثفة عن كل الأزمات السابقة، وبعد عقود من اغترابه عنه استخدم حقه في التعبير ورفع الصوت بوجه من ينهبه ويفرِّط بحقوقه، لمصلحة حفنة من رجال الأعمال الجدد الذين اغتنوا وحازوا على الثروات الطائلة من خلال التحالف الواسع بينهم وبين المتنفذين في مختلف الأجهزة والمواقع ممن بيدهم سلطة القرار والأمر والنهي.
منذ تبني سياسات اقتصاد السوق وتطبيق السياسات الاقتصادية الليبرالية، كان التوجه للحكومة وفريقها الاقتصادي يسير باتجاهين متلازمين:
الاتجاه الأول: الانفتاح الكلي المادي والمعنوي على أصحاب رأس المال (رجال الأعمال الجدد)، وهو الاسم الحركي لقيادات الفساد والنهب الذين كوَّنوا ثرواتهم المنهوبة بأوقات قياسية، بسبب تزاوج المصالح القائم بينهم وبين القوى المتنفذة التي استفادت أيضاً من هذا التزاوج غير الشرعي، الذي أفضى إلى نتائج كارثية يحصد نتائجها الشعب السوري وخاصة الفقراء منه. حيث استطاع (رجال الأعمال الجدد) أصحاب الشركات القابضة، انتزاع الحرية التامة في نشاطهم الاقتصادي والاجتماعي، وإلى حد بعيد النشاط السياسي، مدعومين بحزمة كبيرة من المراسيم والقرارات تقونن ذاك النشاط وتشرعن تلك الحركة، حيث ساهم ذلك في تكييف السياسة الاقتصادية والاجتماعية تبعاً لمصالحهم الخاصة، وبالمقابل فقد ذهبت أدراج الرياح كل المشاريع الإصلاحية التي طُرِحت لإنقاذ القطاع العام، وخاصة الصناعي والزراعي منه، من حالته المستعصية التي وُضِع فيها خدمةً وترويجاً للفكرة المطروحة بأن وجود هؤلاء الأغنياء سيفتح الباب على مصراعيه لحل أزمة البطالة من خلال المشاريع والاستثمارات التي يقيمونها، والتي كان بمعظمها في مجال الخدمات، حيث حققوا أرباحاً خيالية دون أن يقدموا حلولاً حقيقية كما كانت الحكومة وفريقها الاقتصادي تعول عليهم.
الاتجاه الثاني: وهو معاكس للاتجاه الأول، حيث جرى التضييق بكل الإمكانيات على قوة العمل ومحاصرتها بحزمة واسعة من المراسيم والقرارات التي أدت فيما أدت إلى ما نراه على الأرض، حيث حُرِّم على العمال الدفاع عن أنفسهم وحقوقهم ومكتسباتهم، فحق الإضراب ممنوع، والمطالبة بزيادة الأجور ممنوعة إلا عن طريق العلاقة الودية بين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وأرباب العمل، حيث صرَّح بذلك الوزير قائلاً: (العامل يحصل على الحد الأدنى، ولا نستطيع اعتماد أسلوب الفرض) وأضاف (أنا أجتمع مع أصحاب العمل ونتفق من أجل رفع الأجور بشكل ودي)، ولكن يا سيادة الوزير هناك قانون للعمل جديد رقمه 17 ينص في باب الأجور على حق العمال بزيادة أجورهم، وذلك من خلال إجماع لجنة تحديد الأجور التي أحد الموجبات الأساسية لاجتماعها هو عدم تناسب الأسعار مع الأجور، وانخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية، ولكن اللجنة لم تجتمع، والأجور لم يطرأ عليها تغيير والأسعار مازالت بارتفاع.
إن الكيل بمكيالين قد فاقم الأزمات، وجعلها عصية على الحل وفقاً لمنظور أصحاب القرار الذين كالوا بمكيالين، ولم يعد من حل سوى أن الفقراء، ومنهم العمال، يجب أن يدافعوا عن حقوقهم ومطالبهم، ولم تعد تجدي كل الحلول الترقيعية الجارية الآن، والمطلوب حلولٌ جذرية وشاملة تستجيب للمطالب المشروعة للطبقة العاملة وفقراء الشعب السوري.