(المغازل والمناسج) بدمشق.. إنتاج على خط النار

أقل من 100 متر وحائط من البلوك، هو الحد الفاصل بين المناطق شبه الآمنة وغير الآمنة في المساحات التابعة للشركة العامة للمغازل والمناسج في دمشق. خلف الحائط  صالات وعمال وجهاز إداري يعمل بالطاقة المتاحة،  وردية عمل واحدة للساعة 2 ظهراً قادرة على أن تضمن للمعمل عدم التوقف، ورواتب عماله ومنتجات نسيجية هامة وجاهزية للتوسع والعمل..

قاسيون زارت مغازل دمشق الواقعة في بداية وعلى يمين اتستراد حرستا عند منطقة القابون، في الأراضي التابعة لمنطقة جوبر، استطاعت الصحافة أن تصل اليوم مع تحسن نسبي في الظروف الأمنية، بينما يستمر أغلب العمال بالوصول اليومي إلى المعمل الذي يعتبر حداً فاصلاً وخط تماس، ولم يوقفهم بشكل كامل سوى انقطاع الكهرباء!

أعلنت الشركة العامة للمغازل والمناسج منذ فترة قريبة في شهر 2- 2016  عن الجاهزية  لتلبية طلبات جهات القطاع العام والخاص لتنفيذ أعمال التجهيز النهائي للأقمشة من بياض ونصف بياض وصباغة وطباعة، فالشركة اليوم تقوم بحوالي 13 عملية على الخيط القطني المغزول الذي يصلها من معامل الغزل في الساحل، بعد أن تدمر معمل الغزل التابع لها بالكامل..

الكهرباء.. توقف الشركة لمدة عام وتعود متقطعة

بقيت الشركة خلال الفترة بين 2011 و2013 تعمل بخطوطها كافة وبطاقتها الإنتاجية الكاملة، إلا أنها في الشهر السابع من عام 2013 توقفت بعد أن انقطعت الكهرباء بشكل كامل عن المعمل، واستمر هذا التوقف حتى شهر 7- 2014، ليعود للإقلاع بعد أن استطاعت الإدارة الجديدة للمعمل منذ شهر 4-2014، أن تتفق مع وزارة الكهرباء على مد خط  كهربائي بديل هو خط المازنة من محطة برزة، وتم بناءً عليه توفير الطاقة الكافية لتشغيل الصالات الآمنة كلها، وبعد تعرضه للضرر منذ حوالي الشهر استبدل بخط العمران من المحطة ذاتها.

فاتورة الكهرباء 

من 7 إلى 20  مليون ليرة!

إن هذه الخطوط البديلة التي تم مدها للشركة منذ شهر 4-2014، دفعت الشركة تكاليف حفرها وتوصيلها التي بلغت 9 مليون ليرة، من مخصصات الخطة الإسعافية، ورغم أنها حلت مشكلة الشركة الكبرى، وهي الكهرباء، إلا أنها لم تحلها بشكل كامل، أو بالشكل الأمثل، حيث بقيت إشكالات تنظيم ساعات التقنين أولاً، والتي تم تجاوزها نسبياً بالاتفاق مع الكهرباء لتجميع ساعات التقنين، وإعفاء الشركة من الساعات الصباحية لتعمل ورديتها الوحيدة دون تقطع، ورغم أن الاتفاق قد تم إلا أن الالتزام به غير كامل، حيث تبلغ التقطعات الصغيرة حوالي 6-7 مرات يومياً، أما المشكلة الأهم فهي أن حاجة التشغيل الصناعي هي 380 فولط، بينما يصل من الشبكة 340 تقريباً، ولهذا آثار سلبية كبيرة على  اللوحات الالكترونية والمحركات، فتضطر الشركة إلى مراقبة مؤشر الكهرباء لإيقاف الآلات مع انخفاض التوتر، وخسارة ساعات عمل محددة عوضاً عن خسارة اللوحات الالكترونية أو المحركات، التي أصبحت تكاليف استبدالها عالية، عوضاً عن صعوبة كبيرة في تأمينها مع العقوبات والحظر. تتم اليوم التحضيرات لإنشاء خط كهربائي من محطة أخرى، تم تخصيص المبلغ له، وتتوقع الشركة أن تحل مع إنجازه مشكلة الكهرباء بشكل نهائي..

الشركة كانت تدفع فواتير كهرباء في الدورة بين 6-7 مليون ليرة سورية، أما اليوم مع ارتفاع تكاليف الكهرباء، فإن الفواتير تضاعفت ثلاث مرات، أي تدفع الشركة حوالي  20 مليون ليرة خلال الدورة، وستدفع حوالي 120 مليون ليرة خلال عام على الكهرباء التي تعتبر اليوم واحداً من أهم عوائق رفع إنتاجيتها وإيقاف الهدر في ساعات العمل، الناجم عن الأعطال الفنية في الشبكة..

240 عامل إنتاج.. 

و 40% فوق الـ 40 عام!

يعمل اليوم على خطوط الإنتاج في الشركة حوالي 240 عامل فقط، وتقول الإدارة بأنه مع العودة إلى 3 ورديات في حال تأمين الكهرباء فإن الشركة ستحتاج إلى حوالي 100 عامل بالحد الأدنى، الشركة التي يبلغ تعداد عمالها اليوم حوالي 544 عامل، من بينهم 103 عامل مندبين إلى شركة الدبس للنسيج، حيث شغلوا آلات لصالح الشركة، وحرصت المغازل في مرحلة توقفها أن تحصر ندب العمال قدر الإمكان بالشركات النسيجية ذات طبيعة العمل المشابه، يضاف إلى هؤلاء حوالي 60 عاملاً بين الخدمة العسكرية الاحتياطية، والفرز وغيرها.

الشركة كغيرها من الشركات الصناعية العامة التي توقف التعيين فيها منذ منتصف التسعينيات تقريباً، تعاني من مشكلة التركيبة العمرية للعمال، حيث نسبة 40% من العمال فوق الـ 40 عام.

تشغيل الآلات المتوقفة منذ الثمانينيات

خسرت الشركة معمل غزل، وزوي (دمج الخيوط) بكامله،  خلال فترة التوقف نتيجة الأعمال العسكرية، وأصبحت تحصل على الغزول القطنية من الشركات الصناعية العامة الأخرى في الساحل، بينما كانت تحصل على القطن المحلوج وتقوم بغزله لصالح الشركة، ولصالح الجهات الأخرى عامة وخاصة، وكان معمل الزوي يعمل بطاقة 4 طن يومياً تقريباً. كما أن صالة نسيج كبيرة تضم 144 نول، لا يمكن الوصول إليها..

وبالتالي يتم العمل حالياً بحوالي 8 أنوال جاكار، وحوالي 19 نول شوادر، تنتج من خلالها مجموعة من المنتجات الجاهزة مثل حرامات الجاكار، والحرامات القطنية، والشوادر، والشاش الطبي، بشكل رئيسي.

ويمر المنتج من الغزول القطنية إلى المنتج النهائي عبر 13 مرحلة، في الأقسام المختلفة، وتشير الإدارة إلى أن الطاقات في الأقسام المختلفة متناسبة، بحيث لا تحصل اختناقات، لتتناسب طاقة التنشيف والصباغة، والبياض والتجهيز، وفي التسويق لا توجد اختناقات في الظرف الحالي، حيث أن نسبة 80% من المنتجات تسوق لجهات القطاع العام، ووزارة الدفاع والمشافي، والمؤسسات الاستهلاكية، كما أن للمغازل نقاطاً للبيع.

استطاع الفنيون في الشركة خلال العام الماضي أن يقوموا بإعادة تشغيل آلة منسقة منذ الثمانينيات، لتتم عمليات صباغة الخيط في المعمل، عوضاً عن الصباغة بالأجرة، كما استطاعوا أن يستكملو الاستفادة من أنوال الشوادر الموجودة، بعد أن كانت التصريحات تشير إلى أنه يتم تشغيل 9 أنوال شوادر فقط من أصل 19 في نهاية عام 2015، أي تم إعادة إدخال 10 أنوال ضمن العمل خلال الفترة، بين 9-2015، و 4-2016، كما استفادت الشركة من المخازين التي كانت متوفرة لديها، سواء في جزء من المواد الأولية مثل الأصبغة، أو مخازين المنتجات التي شكلت عمليات بيعها، قيمة مبيعات عام 2014 التي بلغت 500 مليون ليرة تقريباً..

استطاعت المؤسسات الصناعية العامة الواقعة على خطوط التماس أن تستمر بالعمل، رغم الخسارات الكبرى مثل خسارة معمل الغزل والزوي بكامله، ورغم ما يترتب على الصعوبات الأمنية من صعوبة وصول العمال، وتحديداً مع عدم توفير النقل لهم حتى الآن، القسم الآمن من الشركة يعمل بعمال إنتاجه الـ 240، بينما تعطل الفعالية العالية لعملية الإنتاج انقطاعات الكهرباء وضعف التوتر الواصل عبر الشبكات،  رغم أن المعمل يدفع فاتورة كهرباء شهرية أصبحت تبلغ اليوم حوالي 20 مليون ليرة في الدورة خلال شهرين بعد رفع أسعار الكهرباء.

خسارة قرابة 90% من قيمة الإنتاج!

 

الشركة اليوم تعمل بـ 35-40 % من طاقتها الإنتاجية، تقريباً، بينما إنتاجها اليوم يعادل 7% فقط من إنتاجها قبل الأزمة، حيث كانت قيمة الإنتاج في عام 2010 تبلغ: 716 مليون ليرة سورية تقريباً، أي حوالي 14,3 مليون دولار بسعر صرف 50 ليرة مقابل الدولار، أما قيمة إنتاج عام 2015 فقد بلغت 350 مليون ليرة وفق رقم المبيعات حيث يتم تسويق الإنتاج بنسبة 100%،، أي حوالي مليون دولار بسعر صرف 335 ليرة وسطي سعر الصرف الرسمي لشهر 1-2016.

ما يدل على أن الطاقات المتاحة والتي تبلغ قرابة ثلث الطاقات السابقة، لم تعد تنتج بالمقدار ذاته، حيث أن 35% من الطاقة يفترض أن تنتج ما يقارب 5 مليون دولار، والفارق بين الرقمين البالغ حوالي 4 مليون دولار، ناجم بالدرجة الأولى عن تراجع الإنتاجية في الساعة، الناجم عن التوقفات الكهربائية، سواء بالانقطاع أو بتوقيف الآلات خوفاً من تأثرها بالتوتر المنخفض.

آخر تعديل على الأحد, 24 نيسان/أبريل 2016 18:48