بصراحة: عمالة الأطفال والنساء في القطاع الخاص
يعتمد القطاع الخاص في معظمه على تشغيل الأطفال دون سن الثامنة عشرة، وعلى العنصر النسائي خاصة في المشاغل الصغيرة المنتشرة بكثرة في الأرياف وأطراف المدن الرئيسية. واعتمادهم على هذا النوع من العمالة له أسبابه من وجه نظر أرباب العمل التي مقياسها الأساسي تحقيق أعلى نسبة من الأرباح بأقل كلفة، وحتى يتحقق ذلك لابد من أن تكون الأجور المدفوعة للعمال أقل من الحد الأدنى للأجور، ولا يلتزِم أرباب العمل بتسجيل العمال بالتأمينات الاجتماعية، أي أن هؤلاء العمال عير خاضعين لقوانين العمل
المعمول بها، والتي تُلزم أرباب العمل بتأمين حقوق العمال، ولكن ذلك لا يحدث.
ويتهرب أرباب العمل بشتى الطرق مستخدمين كل الوسائل غير الشرعية لسلب العمال حقوقهم، بما فيها رشوة مفتشي العمل الذين يقومون بزيارة المعامل والمشاغل لتسجيل العمال بالتأمينات الاجتماعية وتثبيت أجورهم، وإن فعلوا ذلك فإن أرباب العمل يسعون لتخفيض الراتب التأميني للعامل بحيث لا يسجَّل بأجره الحقيقي، ما يؤدي إلى خسارة العامل لهذا الحق أو الجزء منه عندما يستحقه، أي في حال أقدم رب العمل على تسريحه لأي سبب من الأسباب، أو قدم العامل استقالته، فيقوم رب العمل باستغلاله استغلالاً جائراً.
إن معاناة العمال في هذه المنشآت كبيرة، وتبدأ من ساعات العمل التي تتجاوز الـ12 ساعة عمل باليوم، ولا تنتهي بالتحرشات التي تتعرض لها العاملات، مستغلين حاجتهن للعمل نتيجة الأوضاع المعيشية المتدنية وارتفاع الأسعار، وصولاً إلى شروط العمل القاسية في الورشات والأقبية، حيث الرطوبة العالية والتهوية السيئة، ما يتسبب بإصابة العمال بالأمراض الصدرية والروماتزم وغيرها من الأمراض التي تحتاج إلى علاج متواصل وبتكاليف باهظة، لا يعترف رب العمل بمسؤوليته عنها باعتباره متحرراً من مسؤولياته تجاه العمال، ولا أحد يلزمه بتطبيق القوانين التي توجب تقديم الرعاية الصحية للعمال المرضى، والأسوأ من ذلك عند إصابة العامل إصابة عمل تكون أحياناً مؤثرة وتسبب إعاقة للعامل المصاب، فيكون مصيره في هذه الحالة التسريح مقابل بعض التعويض إن كان رب العمل (قلبه لله) كما يقولون، وفي الغالب لا يدفع رب العمل أية تعويضات تذكر فتكون خسارة العامل كبيرة، فلا هو قادر على العمل مرة أخرى، ولا يوجد ما يعيله وأطفاله في مثل هذه الظروف الصعبة.
فمن المسؤول عن حماية العمال وتأمين حقوقهم المنهوبة؟ وزارة العمل أم النقابات؟ أم كلاهما؟
في الكثير من المناسبات التي تطل بها وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل تؤكد حرص الوزارة على تأمين شبكات الحماية وصناديق المساعدة، وتأمين حقوق العمال في القطاع الخاص من خلال مضاعفة أعداد مفتشي العمل الذين لا هَمَّ لهم سوى «السهر على تأمين حقوق العمال بتسجيلهم في التأمينات الاجتماعية، غير مكترثين بما يقدمه لهم أرباب العمل من هبات وعطايا لمنعهم من القيام بواجبهم الإنساني».
في زيارة واحدة فقط لمعمل أو ورشة صناعية، أو الالتقاء ببعض العمال في تلك المعامل والورش سيكون الاكتشاف عظيماً لجهود الوزارة ولفاعلية شبكات الحماية وصناديق المساعدة التي أبدعتها وزارة العمل ولمفتشي العمل أيضاً.
في المؤتمر الأخير لمنظمة العمل الدولية، الذي عقد في جنيف بحضور مندوبين عن النقابات والحكومات وأرباب العمل، كان البند الرئيسي الذي جرى حوله نقاش موسع ومطول، هو عمالة الأطفال وما يتعرضون له من مخاطر جسدية ونفسية نتيجة الإجهاد الحاصل بسبب العمالة المبكرة، وفي بلادنا يسود مثل هذا النوع من العمل حيث كثر في الآونة الأخيرة التسرب من المدارس وخروج الأطفال للعمل تحت ضغط الظروف المعيشية لأهالي الأطفال، بحيث أصبحوا هم من يعيلون عائلاتهم، أو يساهمون بقسط أساسي في ذلك، ما يحملهم أعباء كثيرة في هذه السن المبكرة، ويعرضهم لمخاطر اجتماعية وأخلاقية هم في غنى عنها، لو تم تأمين الرعاية الاجتماعية والصحية الكافية لهم، والتي تقيهم شر العمل المبكر.
إن النقابات تتحمل قسطاً هاماً من المسؤولية في حماية الأطفال من العمل المبكر في المعامل والورش، من خلال النضال العام الذي من المفترض أن تخوضه الحركة النقابية في رفع الحد الأدنى للأجور وتأمين حقوق العمال والدفاع عنها، وزيادة الأجور الحقيقية، والعمل على الحد من ظاهرة الفقر والبطالة التي تتعاظم يوماً بعد يوم، نتيجةً للسياسات الليبرالية التي زادت ذوي الدخل المحدود فقراً وزادت الأغنياء غنىً.