بصراحة : العمال يدافعون عن الدولة
ساهمت المساعدات النفطية التي قدمت بعد حرب عام 1973 في توسع وتضخم جهاز الدولة إلى حدودٍ غير مسبوقة قياساً بالمراحل السابقة للحرب، وهذا التوسع شمل البنية التحتية من كهرباء وطرقات وجسور ومعامل واستصلاح الأراضي الزراعية، وهذا يعني بالضرورة زيادة كبيرة في تشغيل اليد العاملة بحيث أصبح القطاع العام هو القائد الفعلي للاقتصاد الوطني مع وجود قطاع خاص هامشي ضعيف ينمو ببطء في بعض الصناعات التقليدية المتكونة تاريخياً مثل النسيج والزجاج وخلافه.
هذا التكون الجديد للاقتصاد السوري لعب دوراً مهماً في مواجهة الحصار الذي ضربته القوى الامبريالية حيث استطاع القطاع العام تأمين المتطلبات الأساسية للشعب السوري، خاصةً في الجانب الغذائي وفي استمرار الإنتاج في المصانع والشركات من خلال تصنيع القطع التبديلية لخطوط الإنتاج التي قامت بها الخبرات الوطنية«مهندسين وعمال فنيين» مما أفقد الحصار الجائر أهميته السياسية والاقتصادية، وجعل القوى المعادية تعيد النظر بخططها مع بقاء الأهداف كما هي، ولكن تحقيقها يكون بشكل آخر والشكل الآخر الذي رأت القوى الاستعمارية به ضالتها، هو السياسات الليبرالية مستفيدة من قوى الفساد الكبرى التي تكونت تاريخياً واستطاعت تمرير السياسات الليبرالية وتبنيها لاحقاً كنهج اقتصادي أساسي، يتحكم بالمفاصل الرئيسية للاقتصاد الوطني بما فيه القطاع الخاص المنتج، وتمثل الهجوم الليبرالي وفقاً لتوصيات البنك وصندوق النقد الدوليين على دفع الاقتصاد الحقيقي «الصناعي الزراعي» نحو التخسير ومن ثم الخصخصة، والاتجاه الآخر بالهجوم على حقوق ومصالح الطبقة العاملة السورية وتحميلها مسؤولية الخسائر التي مُني بها القطاع العام.
في الأزمة الوطنية السورية تكشفت الحقائق لكل ذي بصيرة، حقائق هجوم القوى الليبرالية التي كنا نقول عنها بوابات العبور للعدو الخارجي بشكله المباشر وغير المباشر، وأن الهجوم الشرس على دور الدولة، والقطاع العام كان الهدف منه اسقاط جهاز الدولة بكل مكوناته المدنية والعسكرية، والعدو يعلم بأنهما الأساس في مواجهته، وبالتالي تعزيز دور الدولة بالجانب الاقتصادي الاجتماعي قضية وطنية تقع على عاتق الشعب السوري بمختلف مكوناته السياسية الوطنية بما فيها الحركة النقابية والحركة العمالية، اللتين تتحملان مسؤولية إضافية في ظروف الأزمة بالدفاع عن القطاع العام وتشغيله، والخلاص من الفساد الكبير، وهذا ممكن إذا ما توفرت الإرادة السياسية والكفاحية عند الحركة النقابية استناداً لموقعها في جهاز الدولة، واستناداً لقوى الطبقة العاملة السورية، التي هي إحدى مكونات صمود جهاز الدولة وقدرته على الاستمرار بدوره حتى الآن، وكي يستمر الصمود لابد من تعزيز دور الحركة العمالية في الإدارة والأشراف على تشغيل المعامل، وحمايتها.