عمال القطاع الخاص واقع مرير وأهداف كبيرة
أحمد محمد العمر أحمد محمد العمر

عمال القطاع الخاص واقع مرير وأهداف كبيرة

يتعرض العاملون في القطاع الخاص إلى أشد أنواع السلب والانتهاك واغتصاب الحقوق، ممارسات لن تجد رادعاً لها ما زال أرباب الأعمال يمارسونها مدعومين من مؤسسة التأمينات ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وها هي الآن تتزامن مع نهاية العام الذي يحمل مأسي جمة من أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعيةانهالت جميعها على المواطن، ممارسات تضّيق على العامل حياته وتخنقه دون أي حل على مر السنوات، حيث أصبحت المؤسسات الاجتماعية التي تؤمّن الحماية للمواطن عبارةً عن «مصالح» يتحكم بها أرباب العمل من خلال موظفي تلك المؤسسات الذين أصبحوا موظفين عند أرباب العمل في القطاع الخاص، وباتعدد لا بأس به منهم يتقاضى أجوراً شهرية على عمله هذا.. 

أو من خلال ثغرات القوانين المجحفة التي أسسها أرباب عمل القطاع الخاص أنفسهم والتي يبدو أنها ترجح كفة صاحب العمل على كفة العاملين، بالرغم من عرض الكثير من مشاكل العمال في الصحف والتقارير حيث كان لـ«قاسيون» النصيب الأكبر من كشفهذه الألاعيب التي تمارس على العاملين ومازالت متوالية وعلى أشدّها، وخصوصاً في هذه المرحلة حيث الكثير من أصحاب المعامل باتوا يتحججون بالخسارة ويستشهدون بالظروف العصيبة التي تعصف البلاد من حركات احتجاجية رابطين عملهم بالواقع، علماً بأن العقوبات لم تطبق بعد (عقوبات الجامعة العربية) حيثيمارسون الكثير من الحيل لعدم تطبيق الزيادات الدورية (الترفيعات) من خلال التهديد بالطرد والتسريح والتمنين على العمال ببقائهم على رأس عملهم دون طردهم، ولكن لسوء الأحوال لا يوجد زيادات، عدا عن تهرب الكثيرين من تسجيل كامل عامليهم وحرمانهم من التأمينات الاجتماعية.

 

واقع مليء بالحقائق لابد من عرضه

يعاني القطاع الخاص من هزل في تركيبته وبنيانه ويطلب منه أن يكون رديف القطاع العام، ولكن القوانين التي يتعرض لها من ضرائب ومصروفات في كثير من الأحيان هي مجحفة، وهذه حجة قوية بأيدي أصحاب العمل الخاص، وتجعل منهم سماسرة يعملون بالكمسيون بينهم وبين الدولة، كما وتجعل منهم مندوبي فسادونهب (ضد العمال) ودائماً تحت غطاء القوانين، وهذا من شأنه أن يضيق على الاستثمار ويحد من توسعه ما يجعله غير قادر على التطور والنمو.

في البطالة وواقع العاملين لدى القطاع الخاص.. يكون القول إن المسبب الأساسي في تراجع أداء القطاع الخاص وسكوت العاملين عن حقوقهم هو مسألة البطالة التي تجعل الفرد يقبل بأدنى الأجور ويتحمل أسوأ المعاملات الإنسانية، وذلك نتيجة الفاقة والعوز الاجتماعي والحالة الاقتصادية السورية الراهنة والسابقة التي لمتتغير منذ مطلع القرن الحالي، حيث عانت قوة العمل السورية من عدة مشكلات غير وقوعها تحت ضغط الحاجة والظروف الاقتصادية الصعبة والاستغلال، فكان هروب هذه الطاقات وتسربها أكبر التحديات- وهي من القدرات الشبابية النازفة إلى خارج البلاد بحثاً عن وضع أفضل، والعمالة في الواقع هي أشبه بالبطالةفي الدول الأخرى من خلال دفع تعويضات للعاطلين عن العمل حتى إيجاد وظائف للشباب، وهذا الراتب الذي يتقاضاه العامل السوري بالطبع هو أقل من راتب التعويض في الدول الأخرى من خلال القدرة على الشراء والمعيشة.

الكثير من عمالنا يتعرضون للسب والتوبيخ والاستهزاء بالرغم من المقدرات الفكرية العالية التي يتمتعون بها، حيث تجد في سورية الكثير من حاملي الشهادات الجامعية يعملون في مقاهي الربوة أو مطاعم دمشق القديمة، أو حتى في مطاعم الطبقات الارستقراطية على طريق المطار بأعمال خدمية للزبائن، مثل وضعالنارة للأراكيل وجلي الصحون، وفوق هذه المصائب تجد هذا العامل غير مسجل في التأمينات أو لا يوجد له من يحصل حقوقه ولا يتجاوز راتبه 300 ليرة في اليوم.

ويسجل في سورية وجود انتهاكات متمثلة بالزيادة السنوية لأجور العمال، حيث هناك الكثير من الآليات التي تتعامل بها معظم منشآت القطاع الخاص من حيث الزيادات، فلا قانون واضح تتعامل به ولا مراسيم تصدر من الحكومة تكرم أصحاب العمل، فالمرسوم الصادر عام 2011 الذي يحمل الرقم 40 والقاضي بزيادةالرواتب لا شيء يذكر عن تطبيقه إلا في رفع الحد الأدنى من الأجور في التأمينات إذا كان العامل مسجلاً أصلاً، حيث فضل هذا المرسوم قطاع الدولة على القطاعات الأخرى (الخاص والمشترك) المنكوبة، أما من ناحية أخرى فتمارس الشركات في القطاع الخاص سياسة اليد المكسورة التي تأخذ بالتسول ولا تعطي، فحينيقترب العام من نهايته يبدأ العاملون سماع الموشحات السلطوية (لا يوجد بيع، الشركة دوبا عم تمشي حالها، الدولار غالي...) لإيهام العاملين بأنهم غير قادرين على دفع زيادة وحتى لو ترفيعة سنوية من حق العمال، بحجة أنهم خاسرون هذا العام، ومقياس الخسارة  لديهم تدفع للحيرة، فإذا حققت المؤسسة أرباحاً خلال العامالسابق أو إذا زادت الأرباح 2% عن أرباح العام السابق، يعتبرون أنفسهم خاسرين!.

إذاً تخضع أجور العمال في القطاع الخاص لأرباب العمل والقانون محصور في تطبيقه على العاملين المسجلين في التأمينات فقط، والدولة تعتبر الشريحة العمالية كلها تحت سقفها، ويعتبر مسؤولو التأمينات ووزارة الشؤون الاجتماعية أن الزيادات في القطاع الخاص محفوظة وهي أمر مفروض ويجبر رب العمل منخلال على الالتزام بنظام داخلي لكل شركة حسب المادة رقم /95/ من قانون العمل رقم /17/ والتي تنص على ترفيع العمال بشكل دوري كل عامين بنسبة 9% حسب هذا القانون.

رواتب مزرية

في جولة «قاسيون» على العديد من المعامل أثناء نهاية دوام العاملين لمقاربة الصورة واقعياً، كانت لنا اللقاءات التالية مع شريحة لا بأس بها من العاملين والموظفين، فالكثير منهم أدلوا بمعاناتهم والقسوة التي يتعرضون لها من أصحاب المعامل من خلال الرواتب وعدم تسجيلهم في التأمينات.

العاملة (أ) والتي تعمل في معمل الوزير للمنظفات الكائن في منطقة (السبينة) قالت: «أعمل هنا منذ أكثر من سنة بدوام /9/ ساعات وساعتين إضافي وبعد هذا أتقاضى 9000 ليرة مخصوم منها للتأمينات».

وكما أكدت العاملة (ش) أيضاً ومن المعمل  نفسه أنها تتقاضى أجراً قدره 9000 ليرة بالرغم من وجود زيادة رفعت من الحد الأدنى للأجور ولم تطبق عليها وعلى العاملين معها.

أما العاملة (ر) والتي تعمل في مطبعة فرفضت ذكر اسمها خوفاً من فصلها قالت: «أعمل 8 ساعات يومياً وأتقاضى 6000 ليرة سورية فأي راتب هذا يمكن أن تعيش به 30 يوم».

وقالت زميلة لها بالعمل (ر): «أعمل أيضاً معها بدوام 8 ساعات يومياً واتقاضى 5000 ليرة ونعمل هنا لكي نعين والدنا الذي يعمل عاملاً عادياً في ضاحية الأسد ويتقاضى أجره باليومية ولدينا كل شهر ما يقارب 7500 ليرة أجرة بيت وكهرباء وماء لصاحب البيت»، أما (رسول) الذي يعمل في مواد البناء كالإسمنتوتراب السيراميك فقال: «أعمل يومياً من الساعة 8 إلى 8 وبهذه المواد التي تضر بالصحة منذ أكثر من سنة وأنا غير مشمول بالتأمينات واتقاضى 12000 ليرة».

العاملة (ج) قالت: «أعمل في مطبعة وأنا غير مشمولة في التأمينات ولا يتجاوز راتبي 7000 ليرة وبدوام 8 ساعات يومياً وعند المطالبة برفعنا إلى التأمينات نتهدد بالفصل».

أما (ا.ز) الذي يعمل في معمل (المنارة) للأدوات الكهربائية فقال: «أعمل 9 ساعات يومياً وراتبي 8000 ليرة وأعمل إضافي لكي أحسن وضعي وعند الحديث عن التأمينات طلبت مني أوراق ثبوتية لتسجيلي بالتأمينات وإلى الأن لا شيء يذكر فكيف سأعيش بهذا الراتب أما القبول أو البطالة».

إذاً، أين هي مؤسسة التأمينات ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي تقول إنها رفعت الحد الأدنى للأجور لديها تلقائياً؟ أم أن مفتشيها يذهبون أثناء جولتهم لبيوتهم!.

عمال غير مشمولين

إن شريحة العمال في القطاع الخاص والنسبة الأكبر منهم عاجزون عن المطالبة بحقوقهم خشية الفصل والطرد كونهم غير مشمولين في التأمينات أو منتسبين لاتحاد العمال، وهذا الأمر يجعل من هؤلاء العمال مستعبدين من أصحاب العمل ويجب تحريرهم من براثن النهب.

حيث قال العامل (أحمد.خ): «إن أصحاب المعامل والشركات لم يقدموا أي زيادات على الأجور مؤخراً بعد صدور المرسوم رقم /40/ حيث أن المرسوم لم يجبرهم على ذلك والرواتب التي يقدمونها لا تكفي لمربي أبقار في إطعام أبقاره».

وبهذا، فإن أرباب العمل ما زالوا يستغلون العامل دون رقيب أو حسيب، ولا يوجد من يراقبهم بعد صدور المراسيم على تطبيقها أو العمل بها، حيث أن مفتشي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل غير قادرين على كشف أبسط أمور الاستغلال ومازال رب العمل يشعر بتململ نتيجة الوضع الراهن والذي بدوره يزيد فيالتضيق والمعاناة على العاملين من حيث التسريح التعسفي والطرد، لأن التأمينات أصلاً ولو قدمت الاستقالة لديها فلا يوجد عندها أسماء العاملين غير المشمولين، وهذا ما يجعل العامل السوري مهاناً خانعاً يقبل بالأجر مهما كان وكيفما كان الدوام وفصله متى شاء صاحب عمله.

 

تطمينات ومخاوف

عندما تحصل على المعلومات من المسؤولين الموقرين لا تشعر أبداً بأنك تعيش في أزمة، فالبلد بأمن واستقرار وأحسن حال ولا خوف على أحد وعجلة الإصلاح  تدور، وستشمل الجميع وستعم الخيرات على البلاد والعباد، وعندما تلتقي متحدثاً مع المواطنين الأمر مختلف تماماً والواقع عصيب وحياة معيشية مغلوب علىأمرها، والفقر آخذ بالاتساع..

وفي النهاية نقول لمسؤولي الدولة: إلى متى ستبقى مصالح الناس والعمال تحديداً مهملة؟ ومتى ستتبنون مصالحهم وتكون من أولويات أعمالكم؟ ومتى ستقومون بالتصدي للفاسدين والمضطهدين وتكرسوا دور النقابات والاتحادات ومسؤولياتها بدور أكبر؟ هذه الأسئلة برسم أجوبتكم...