«بهنيك.. بهني نفسي فيك»
لا تكف بعض وسائل الإعلام الرسمية والخاصة عن محاولات اقناعنا بأن كل ما يجري بما فيه افتتاح مراكز ترفيهية هو من أجل سواد عيوننا
يريدون أن يدفعونا للاعتقاد أنه يمكن للسوريين اليوم أن يناموا قريري العيون بعد أكثر من ثلاث سنوات مُتعِبة، وهم يعلمون بأنهم إذا ما تجاوزوا ساحة الأمويين وأخذوا الدرب الصاعد إلى مشروع دمر وصولاً إلى الجزيرة العاشرة سيبلغون «أرض الأحلام».
لا يهم عدد الحواجز التي سيقطعونها وصولاً إلى وجهتهم الأخيرة. لا يهم إن كانت الحرب قد أفقدتهم قدماً أو يداً أو منزلاً أو أخاً. ولا يهم أيضاً إن أمست البلاد خراباً رمادياً كئيباً، طالما أن هناك في البعيد أبنية جديدة لامعة، ونافورة مياه.
طوال الأسابيع القليلة الماضية سعت بعض وسائل الإعلام الرسمية بكافة السبل إلى إقناع الشعب بأنه انتصر، وأن نادي الفيحاء الرياضي بحلته الجديدة التي تضم منشآت رياضية وترفيهية ومطاعم وصالات أفراح هي«إرث حضاري» و«ملك وطني». احتفلت وكالة سانا بالخبر السعيد تحت عنوان:«الحلقي يفتتح منشآت مجمع نادي الفيحاء الرياضي في مشروع دمر بكلفة 6 مليارات وتوفير 2000 فرصة عمل» كما لو أنها تستبق الأفكار، تستبق العيون التي ستقفز من محاجرها حينما تسمع بأن مبلغاً كهذا استثمر بغرض ترفيه شريحة مترفة وضيقة من السوريين. تحاول وسائل الإعلام التحايل على الجمهور كي تشغلهم بالفتات، وتنسيهم أن هناك في البلاد ملايين العاطلين عن العمل.
تم انتقاء عبارات الخبر بعناية لتكريس الشعور «بالفرح الوطني» لتكون هذه المنشآت «دليل آخر على بداية مرحلة التعافي التي تعيشها سورية بفضل انتصارات جيشنا الباسل»، أو هي «نتاج إرادة السوريين وتصميمهم على إعادة بناء بلدهم». أمام كل ذلك، يشعر المرء أن زيارة نادي الفيحاء «واجب وطني». يسارع بعض للبحث على صفحة الفيسبوك الخاصة بالمجمع للإطلاع على لائحة الأسعار التي تلسعه كضربة تيار كهربائي.
يضيف الخبر المنشور في الوكالة أن المشروع يتميز بمساحاته الخضراء لجلوس «المواطنين». كما لو أنها تطمئن القراء أنهم يستطيعون الجلوس على العشب إن لم يملكوا المال الكافي، كي يتمتعوا بمشاهدة غيرهم وهم ينتقلون بخفة بين صالات البلياردو ومدينة الألعاب المائية. لم تستخدم مثلاً كلمة «زبائن» كي لا يظن القارئ أن المشروع تجاري لا سمح الله!
في العقلية التي تحكّم القائمين على المشروع يتم بناء مجسم ضخم يحاكي ساحة المرجة «لإظهار الوجه الحضاري للبلاد». لا يهم إن كانت ساحة المرجة الأصلية قد أمست سرير المهمشين والمهجّرين، وإن أصبحت مكاتبها وفنادقها مراكزاً للصفقات المشبوهة.
لم يكد الجمهور السوري يتعافى من صدمة مجمع الفيحاء حتى وقع على مشاهد «الطبل والزمر» احتفالاً بافتتاح جهاز الصرّاف الآلي في طرطوس بحضور المحافظ وعدد من الشخصيات الرسمية، في احتفال يليق بمعمل صناعات ثقيلة بدلاً من آلة بائسة لسحب المال!!
أطلقت صور افتتاح رئيس الوزراء لمجمع الفيحاء، ثم صور «الفرح العارم» بالصراف الآلي موجات من الغضب في بلادٍ ظن سكانها ألا شيء قادرٌ بعد اليوم على إغضابهم. لم يبق في البلاد «حجرٌ على حجر»، كل ما فيها تبدّل إلا قدرة أصحاب القرار والمال على إثارة الحنق والغضب لم تتغير. هم الذين يستحقون جائزة لقاء مواهبهم في تهيئة المناخ الذي حول بلاداً بسرعة تاريخية إلى ساحة حرب، ثم جهودهم التي أطالت بعدها أمد الحرب وجعلتها أكثر اشتعالاً. وهم اليوم يستحقون جائزة جديدة على مهارتهم في ترتيب قائمة أولويات إعادة الإعمار، واعتقادهم بأننا شعبٌ يسهل إقناعه وتغير مطالبه. يستحقون على ذلك كله أن نهنئهم ونهنئ أنفسنا بهم «عالنظافة بالمواقف وعلى كل شي اسمو تكتيك».