يوم النصر... يوم العار!
هوغو ديونيزيو هوغو ديونيزيو

يوم النصر... يوم العار!

لماذا تُظهِر النخبُ السياسية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اشمئزازاً تجاه الاحتفالات التي تُحيي ذكرى النصر على الفاشية، وخاصةً في روسيا والصين؟ ينطلق الباحث والمثقَّف البرتغالي هوغو ديونيزيو من هذا السؤال، محاولاً البحث عن الإجابة في بعض الجذور التاريخية والثقافية ذات الصلة، اعتباراً من ضحايا الفاشية القديمة وصولاً إلى غزة الفلسطينية حيث تتجلّى جرائم الاحتلال الصهيوني المتواصلة كواحدةٍ من أحدث وأفظع التجلّيات المعاصرة لإرث الفاشية وإجرام القوى الصهيونية والإمبريالية المتعفّنة. ويتبنّى الكاتب اتجاهاً تقدّمياً ووجهة نظر منحازة إلى الشعوب المظلومة والطبقة العاملة والكادحين، من موقعه أيضاً كرجل قانون وباحث في اتحاد نقابات العمال البرتغالي.

تعريب وإعداد: ياسمين دمشقي

ليس الأمر مجرَّد جحود... يا ليته كان كذلك! إنّ الأسباب الحقيقية للازدراء وسوء الفهم والرفض والاشمئزاز الذي تظهره النخب الغربية تجاه احتفالات يوم النصر - اليوم الذي أنهى فيه الاتحاد السوفييتي أحد أبشع الأنظمة التي وُلدت في أعماق التاريخ البشري، والذي يُمثل بلا شك شاهداً على ذروة الوحشية الغربية التي تغذّيها الجذور الاجتماعية والاقتصادية للرأسمالية والإمبريالية – هي أسبابٌ أعمق بكثير.

لذا، ينبغي أن يُطلق على يوم النصر أيضاً اسم «يوم العار»، اليوم الذي هاجمت فيه دولة معادية للإمبريالية والاستعمار، أعنف صنيعةٍ للرأسمالية الغربية - الإرهاب النازي الفاشي - ففقدت 27 مليوناً من خيرة أبنائها وبناتها لإنقاذنا جميعاً من وحشٍ لا ذنبَ لها إطلاقاً في اختلاقِه. لا ينتهي عار الغرب بالجرائم التي ارتكبتها الفاشية ضد الإنسانية؛ فروسيا تُجبر الغرب على أن يعيش ويستعيد، عاماً بعد عام، اعترافه بأنه هو أيضاً قد نجا - من نفسه – وعلى يد مَن؟ على يد ضحيّة عدوانه بالذات!

تُفسِّر هذه الثنائية الكثيرَ من الاستياء المُعلَن، والعار المُستتر لدى البعض، وحزن آخرين تجاه تاريخ الحرب العالمية الثانية. كيف يُمكن أن يكون النظام الشيوعي، وهو أكثر ما تعرَّض للتشويه والذمّ من قِبل أكثر أشكال الرأسمالية «تقدّماً» - الرأسمالية الغربية - هو نفسه النظام الذي ساهم أكثر من غيره في مكافحة قوة قمعية وُلدت داخل الأنظمة الغربية نفسها التي تتشدّق بأنها «معتدلة، وديمقراطية، ومتحضرة»؟

هذا تجسيد مثالي لمقولة «الحقيقة كالزيت؛ تطفو دائماً إلى السطح». هذا الإيثار الهائل لشعوب الاتحاد السوفييتي، ليس فقط بطرد المعتدي من موطنهم، بل ببذل أقصى ما في وسعهم لهزيمته نهائياً؟

كيف لألمانيا الحديثة، التي يحكمها أحفاد من شكّلوا مخالب الوحش النازي، أن تتعايش مع الصدمات التي نُضطر لمواجهتها عندما نواجه صوراً مروّعة لبقايا بشرية مُكدّسة، مُحترقة ومُجرّدة من كل كرامة؟ صورٌ تصل الآن إلى شاشات تلفزيوننا، تُبثّ من غزة، ويُخفيها الغرب - الغرب بأكمله - تحت السجادة التي تُخفي جرائمه التاريخية التي لا تُحصى؟

كيف يمكن لأولئك الذين يدعمون النسخة الثانية من الرايخ الثالث، التي أُعيد إحياؤها من البقايا التاريخية للفرقة الرابعة عشرة في غاليسيا وحُفظت في بعض المدن الأكثر امتيازاً و«تحضراً» في الحضارة الليبرالية العظيمة، أن يمحوا من التاريخ الصورَ الحية التي لا ينبغي أن تثير سوى العار والندم الشديدين ــ تماماً كما يفعلون مع قتلى العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا، أو إعادة إنتاج الإرهاب النازي بالألوان الحية في القرن الحادي والعشرين، والتي ارتكبها هذه المرة أولئك.

 أوروبا الغربية، الرحم الخصيب للفاشية في النصف الأول من القرن العشرين، والتي تم إنشاؤها وتغذيتها تحت رعاية أبرز النخب الأنكلوساكسونية، وتغذيتها من قبل النَّسل الأمريكي الأكثر فخراً، والتي اعتادت على اختيار أبطالها وإخفاء شياطينها - عندما لا تكون تحت ضوء التعافي الذي يوفّره التحريف المُشين للتاريخ - مضطرة إلى التعايش مع أولئك الذين لن يسمحوا لها بإخفاء جرائمها وذنْبها الهائل.

بعد كل شيء، بالنظر فقط إلى الوزن الديموغرافي للوفيات السوفييتية في الحرب العالمية الثانية، يُقدَّر أن البلاد فقدت نحو 26.6 إلى 27 مليون شخص خلال الحرب، وهو ما يمثل نحو 13.7% من سكانها في عام 1940. وشملت هذه الخسائر العسكريين والمدنيين، حيث قُتل قرابة 8.7 مليون جندي، بينما كان الباقي بسبب المجازر والمجاعة والأمراض والعمل القسري وغيرها من العواقب المباشرة للصراع - معظمهم مدنيون أبرياء، مثل أولئك الذين يموتون اليوم في غزَّة على أيدي أولئك الذين دافع عنهم بشدة أحفادُ أولئك الذين مارسوا مثل هذا الإرهاب البغيض ضد الاتحاد السوفييتي.

مع فقدان 13.7% من السكان، لا ينبغي أن يكون من الصعب تخيّل أنه لم يكن هناك مواطن سوفييتي واحد، ولا مواطن سوفييتي سابق واحد، وبالتأكيد لا يوجد روسي أو بيلاروسي واحد لم يحمل في بنيته العقلية والعائلية والاجتماعية والجسدية وطأة المأساة التي انتهت في 9 أيار 1945. لا أحد. وإذا جاهد أحدٌ في تصور هذا الدمار والمجازر، فلن يحتاج إلى النظر بعيداً في الزمن؛ فأمامنا اليوم مشاهد مباشرة وبالألوان، في قطعة أرضٍ صغيرة، كمثالٍ على الأشياء نفسها التي لا بد أنَّ الإرهاب النازي قد أذاقَها للاتحاد السوفييتي آنذاك؛ فمع ما يقرب من 100,000 شهيد فلسطيني ومثلهم من المفقودين، أباد الجيش الصهيوني ما بين 10% و15% من سكان غزة بالفعل. فهل يمكن لأحد أن يطلب من مواطنٍ من غزة ألّا يشعر بمثل هذه المأساة العظيمة؟ لمن يريد أن يفهمَ ما كلَّفه الإرهاب النازي الشعبين الروسي والسوفييتي، فليشاهدوا التلفاز؛ ليشاهدوا غزّة اليوم!

المشكلة هي أنّ الإرهاب النازي، الربيب المدلَّل للفاشية والأخ الشقيق للصهيونية ــ كما أظهر كلٌّ من سينثيا تشونغ وماتيو إيريت بعمق في أعمالهما ــ ليس سوى فصل واحد، وهو الأكثر فظاعة، من المعاناة التي سعى بها المعسكر الإمبريالي الغربي إلى معاقبة شعبٍ تجرأ على إنتاج شيء عظيم مثل الثورة الروسية، وعدم الاكتفاء بذلك، بل حمل أعمق التحولات الاجتماعية التي شهدها العالم في مثل هذا الوقت القصير.

بسبب تجرّؤهما على تحدي الإمبريالية الغربية التي كبّلتْ روسيا ما قبل الثورة، اضطرّ الشعبان الروسي والسوفييتي إلى تحمّل غزوات متتالية لأراضيهما من قِبَل 14 قوة إمبريالية (1917–1922). وبعد أن نجا من هذا التهديد المميت وما تلاه، مُتخفّياً في أشكال متعددة، كان التهديد النازي-الفاشي هو الأكثر استعداداً وشراسة.

لا يمكن فهم الكراهية والغضب والتعسف والشهوة العنيفة للدم التي «كافأ» بها الجيش النازي الشعبَ السوفييتي إلّا في ضوء الإحباط والإذلال اللذين اضطر الغرب إلى إطعامهما الوحش النازي، ليقذفه على الوطن السوفييتي الشاب آنذاك. لقد تحول التهديد بفقدان الجائزة المنشودة إلى كراهية عميقة كتلك التي تسعى الآن إلى عزل الاتحاد الروسي. النازيُّون، أمثال بانديرا، كلهم أولاد هذا الجشع، وأبناء هذه الكراهية.

إنَّ الغضب العارم الذي ينظر به الغرب، من خلال أعين شخصيات حمقاء، إلى احتفالات يوم النصر المهيبة، هو أمرٌ مُبرَّرٌ بقدر ما هو مُضِرّ. عاماً بعد عام، تمنع روسيا الاتحادية الغرب من نسيان الشرّ الذي ارتكبه، الشر الذي ألحقه بالعالم والبشرية. وبهذا تذكّر الإمبريالية باستمرار بطبيعتها الإجرامية المتأصلة.

وفي الاتحاد الأوروبي تأتي تهديدات كايا كالاس بمعاقبة قادة الدول المرشحة للانضمام الذين يحضرون احتفالات موسكو، نرى أن أوروبا تريد نسيان جرائمها، ومحو الحقائق والتاريخ الذي يُسبب لها هذا الإحراج الكبير. ومن اللافت للنظر كيف أن أورسولا فون دير لاين ورفاقها، عندما يواجهون هذا التاريخ المهم، يتصرفون كمن يُذكَّرَ بجذوره المشينة. وبدلاً من إظهار التواضع والمغفرة، يحاولون التحرر منها بأبشع الطرق: من خلال النسيان والهجوم على الضحايا!

عندما يكون التكرار التاريخي سمةً من سمات الجرائم الغربية (النهب، العبودية، الحروب العالمية، العقوبات، الحظر، الحروب بالوكالة، الثورات الملونة، تدمير الدول)، فهذا يعني أن الجريمة ليست حادثة عابرة في تاريخ الغرب الذي تهيمن عليه الثقافة الأنكلوساكسونية. إنها سمة متأصلة يجب تذكُّرها دوماً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1242