صعبة ولكنها ليست مستحيلة!
إيمان الأحمد إيمان الأحمد

صعبة ولكنها ليست مستحيلة!

في لحظات مفصلية ووسط الزحام السوري المربك، غالباً ما تكون صياغة المواقف من أصعب المسائل ليس على العامة فقط، بل حتى بين النخب الثقافية والسياسية والأكاديمية وغيرها.

قد يكون هذا طبيعياً بعد غياب طويل للحريات السياسية استمر إلى عقود، كان من نتائجه عرقلة التطور الطبيعي للحياة السياسية والثقافية في البلاد على أقل تقدير، وفي ظل غياب لغالبية مؤسسات الدولة الفاعلة، وخاصة الإعلام، الوطني، الرسمي، الذي يفترض أن تطرح من خلاله المشاريع المتنوعة لبناء سورية الجديدة، وبمشاركة كل السوريين، ليتوافقوا على مشروع وطني جامع يكون جسراً نحو حلول متوازنة، وطريق للخروج من الأزمات المتعددة التي تغرق بها البلاد في الوقت الراهن.

ثمة همروجة إعلامية تتصدر المشهد اليوم، تحاول تعويم فكرة أن السوريون عاجزون، من خلال تعويم شخصيات «مؤثرة» مبتذلة وتافهة من مجانين وجهلة وحمقى، يكتسحون الساحة على وسائل التواصل وبعض المنصات الإعلامية، في محاولة لتسفيه بنية المجتمع السوري وتظهير «مجتمع الكركوزات» هذا، على أنه أحد نماذج بنية المجتمع، على أقل تقدير. يبذل أصحاب هذه الهمروجة جهوداً وأموالاً طائلة، في محاولة مستميتة لصناعة «مزاج سوري يومي»، بغية التأثير في الراي العام، حسب ما يتوهمون، وتوجيهه. ينسى أو يتناسى هؤلاء قدرات وامكانيات الشعب السوري العريقة والعميقة الظاهرة منها والكامنة، والارث الوطني والمعرفي والسياسي والتاريخي لهذا الشعب، وجبروته المتأصل في مواجهة الغزاة والطغاة، على مر التاريخ.

ليس ثمة حيادية في السياسة، يعرف صناعها ذلك تماماً ويعونه، فعندما يجري إغراق الناس بالأزمات، أزمة سياسية وأخرى معاشية واقتصادية، وأمنية، وثقافية فكرية، وأخلاقية...إلخ، أزمة بكل تفصيل من تفاصيل الحياة، بحيث تبدو سورية كمستنقع آسن، تستنزف فيه قوى المجتمع الفاعلة وتدفع الناس إلى حالة من اليأس والشعور بالعجز ومن ثم اللا مبالاة تجاه ما يحدث من خراب، فيصبحوا تائهين، يتعلقون بقشة، مهما كانت، ويرضون بما يملى عليهم خارجياً وداخلياً.

قرارات تصدر كل يوم وبيانات وكلمات تتكرر، عن مستقبل مليء بوعود برّاقة، بينما الواقع على الأرض يسير باتجاه معاكس تماماً. ثمة محاولة لتثبيت الواقع، وربما الزمن أيضاً، من خلال السيطرة على أفق التوقعات، والقدرة على الحلم بغدٍ أفضل، فكلما تعمقت الأزمات وطال أمدها، ضاق أفق المستقبل، وتحوّل إلى إعادة إنتاج للحاضر. وهو ما يؤكده غرامشي في شرحه لمفهوم «الهيمنة»: حيث لا يكفي أن تفرض السيطرة بالقوة، بل يجب أن تجعلها تبدو وكأنها المسار الطبيعي للحاضر والمستقبل.

يتعلم الناس من تجربتهم، حتى من كان في حالة ضعف معرفي أو سياسي منهم، يساهم تسارع أحداث التجربة وقساوتها أحياناً في فهم الواقع ومعرفته، وليس معايشته فقط، وسرعان ما يعي الناس الخلاصات اللازمة للخروج من المأزق، وابتداع حلول حقيقية وواقعية لبناء مستقبلهم ومستقبل بلادهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1242