عن ونّوس والأمل الذي يحكمنا!
أعاد النقاش والجدل الواسع- الذي أثاره قرار وزارة التربية حول تغيير أسماء المدارس، والذي ورد فيه اسم الكاتب والمسرحي السوري سعد الله ونوس، ضمن قائمة طويلة من الأسماء، جرى تغييره إلى مدرسة «السفيرة المهنية»- إلى الأذهان الاهتمام بالرموز الوطنية والثقافية السورية، إضافة إلى ضرورة الأمل بالمستقبل، الذي آمن به صاحب المقولة الشهيرة: «نحن محكومون بالأمل»
ثمة تساؤل حول المعنى فيما قاله سعد الله ونوس وما أراده من الأمل، فالرجل الذي تبنى مفهوم «مسرح التسييس» في أعماله، وركز على الممارسة السياسية كفعل ضروري ولازم في المجتمعات من أجل تطورها، وركز على أهمية الحريات السياسية وطالب بها، ورأى أن كل عملية تسييس للمجتمعات هي في محصلتها العامة تقدّمية، لأن الأنظمة القمعية، هي وحدها التي يكون لها مصلحة جذرية في أن يكون المجتمع غير قادر على التفكير السياسي الذي يعيشه. وعكس في أعماله رفضه القاطع للقمع ودعا باستمرار إلى رفض الاستبداد والتطلّع الدائم إلى الحرية من خلال الوعي، هذا الرجل، لا يعتبر الأمل مجرد شعور زائف بل هو قرار بالبقاء والتحدي الأكبر في وجه كل محاولات الموت المعنوي والفعلي. تحدث عن الأمل كضرورة وليس كرفاهية، واعتبره حاجة وجودية ملحّة، كضرورة التنفس للحياة، ولذلك نحن محكومون به.
عن المصفقين والجهلة
بالعودة إلى قرار الوزارة، والذي جرى التراجع عنه لاحقاً، بعد أن أثار ضجة في الأوساط العامة والثقافية السورية، إذ أعلن وزير الثقافة السوري أنّه تواصل مع وزير التربية، وأكد له الأخير أنّ «الوزارة تراجعت عن القرار ولن يتم استبدال الاسم». يطرح القرار وطريقة التراجع عنه الكثير من الأسئلة، ليس حول دور المؤسسات فقط وطريقة صناعة القرار فيها، ولا الشكل الارتجالي لاتخاذها، بل عن أهمية مثل هكذا قرارات في الوقت الذي تعاني فيه البلاد والعباد من أزمات ومشاكل تكفي لعمل المؤسسات وخاصة الوزارات منها لسنين قادمة. هل تكفي المقاربات السطحية، إذا سلّمنا جدلاً بصحة أي قرار، من حل المشاكل العميقة في الوزارة المعنية. علماً أن التعليم في سورية يعاني من مشاكل بنيوية عميقة ومستعجلة تتطلب حلولاً، أهم بكثير من قرار تغيير الأسماء. وهو ما عكسه فعلاً موقف المصفقين والجهلة لكل ما يصدر عن السلطة، فقد استشرس كثيرون في الدفاع عن قرار وزارة التربية، وحجتهم كانت أنّ «ونوس يستحق هذا التهميش لأنهم لم يسمعوا منه موقفاً صريحاً من ثورة 2011 المباركة»، لم ينتبه هؤلاء بأنّ ونوس توفي في عام 1997 بعد معاناة مع مرض السرطان! في جدلية (مضحكة ومبكية) في آن واحد، كما في الحياة التي يعكس المسرح تناقضاتها.
يؤكد أنسي الحاج أن: «ما يُعجِب المصفّقين بالمُصَفَّقِ له هو فراغه، ممّا يمنحهم ذريعة صناعة الفراغ بدورهم، فضلاً عن كونه يعفيهم من الشعور بالنقص».
نقاش لا بد منه
لن يكون هذا النقاش هو الأخير، وهو بكل تأكيد وجزم ليس بحال من الأحوال تفصيلاً ثانوياً، لأنه يمثل جزءاً من معركة الناس حول ما يمكن لهم أن يثبتوه من مساحات ممكنة للحرية السياسية والثقافية في سورية. فما إنّ قرأ السوريون ما ورد في ورقة الأسماء المبدلة حتى انهالوا بالتعليقات المناهضة للقرار، وكان أبرزها ما كتبته زوجته، فايزة شاويش، حيث قالت إنّ «طلب تعديل اسم مدرسة سعد الله ونوس خبر محزن، وسط ما تعيشه سورية من أحزان كثيرة أخرى... يحق لوزير التربية إلغاء رموز النظام البائد، لكن سعد الله رمز وطني وليس من مفردات عائلة الأسد، بل رمز يستحق التكريم لا الإلغاء».
ليس دفاعاً عن ونوس بل عن الذاكرة
أخذ الدفاع عن سعد الله ونوس وإرثه، أهمية من كونه دفاعاً عن الذاكرة الثقافية، وعن بقايا الروح الإنسانية وسط الخراب الذي تعيشه البلاد. وكان من فضائل هذا النقاش العودة إلى الجدية والتساؤل حول معنى الثقافة ودور المثقفين، بدلاً من الانشغال في الثرثرة الفيسبوكية السطحية والتفاهات أو تصفية الحسابات عبر خطاب فئوي طائفي حاقد وتجييش يسيء إلى كل ما هو إيجابي وبنّاء.
ثمة معركة لم تحسم بعد حول مفاهيم كثيرة متعلقة بالرموز والإشارات والتراث وغيرها الكثير، وأسئلة تحتاج لإجابات عن كيفية إعادة بناء الفضاء العام في بلاد محكومة بالأمل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1241