«الجمل بليرة وليرة ما في»
في وسط دمشق العاصمة، تقف امرأة أمام واحدة من بسطات غطت الأرصفة وتسببت بزيادة الازدحام في مدينة متخمة بالازدحام أصلاً، تقلّب المرأة بين يديها قطعة لباس من البالة المتكومة في مجموعات متجاورة، يشجعها الشاب الذي لمس ترددها: «بخمس تالاف يا خالة، حق قطعة بسكويت»، تبتسم المرأة بخجل ابتسامة باهتة، «بعرف يا ابني، بس شو نعمل إذا كان الجمل بليرة وليرة ما في».
ما قالته المرأة للشاب يمكن أن تسمعه كثيراً أمام بسطات البضائع التي أتخمت شوارع دمشق وبعض المدن الأخرى مؤخراً. وهو تعبير صادق عن حال السواد الأعظم من الناس، ناس سورية البسطاء بمختلف لهجاتهم، المتواجدون بكثافة في الشوارع والأسواق والمواصلات، تعلو وجوههم علامات البؤس والقهر والفقر وسوء التغذية والصحة السيئة، ولم يكن هذا بجديد عليهم، ولكن ما جعله أكثر مدعاة للحزن والمأساوية، هو تلاشي ذلك الشعور الذي تملكهم قبل أسابيع، فرح النصر والخلاص من الطغمة الطاغية والفاسدة، فرح بدأ يتلاشى شيئاً فشيئاً. كانت الغصة الأولى في انهيار منظومة الدفاع المتمثلة بالجيش السوري، وتتابعت مع كل يوم يأتي بقرار جائر في حق الناس، و«حالات فردية» تحولت إلى سلسلة من الجرائم والعنف المباشر، والأسوأ هو الوضع المعيشي المأساوي والكارثي المتدهور أكثر فأكثر يوماً بعد آخر.
«مو وقته»
ثمة تخوفات متنوعة وعديدة عند الناس، تتأرجح بين الخوف والأمل، خوف من عدم القدرة على تغيير الأوضاع السيئة التي تعاني منها البلاد عموماً والتي وصلت إلى درجة الخراب والتدهور والهشاشة في كل القطاعات، وأمل باستكمال الطريق الذي دفع ثمنه السوريون دماءهم بهدف الحرية والعيش الكريم.
يشعر البعض بالامتعاض عند الانتقاد أو حتى الحديث عن الأوضاع السيئة، انطلاقاً من حقيقة صعوبة تغيير الوضع خلال فترة قصيرة، وحجتهم «مو وقته»، الحديث عن مشاكل الناس وهمومها، وأحياناً يصل البعض من هؤلاء في تشنجهم إلى الهجومية دفاعاً عن «الحرية» في وجه من يريد التعبير عن رأيه واستخدام حرية التعبير المتاحة للناس منذ فترة قصيرة، في مفارقة صارخة، إذ إن تأجيل النقاش بهدف الوصول إلى حلول فعلية للمشاكل، كان طريقة عند السلطة الساقطة في تجنب الوصول إلى الحلول. وكانت «مو وقته» إحدى حججها لاستمرار إذلال الناس حينها.
«مبادرات فاعلة»
لا ينكر أحد أن تغيير الوضع خلال فترة قصيرة غير ممكن، بل يتطلب وقتاً وجهداً من الجميع، وليس بمقدور أي جهة منفردة فعل ذلك وحدها. ولذلك ستكون مبادرات الناس سواء لتنظيم أنفسهم أو خلال أحاديثهم العامة حتى وإن كانت همساً، والتعبير عن مشاعرهم وخذلانهم وخوفهم وأملهم، حتى وإن كانت على شكل تنهيدة لامرأة تقف أمام بسطة بالة ولا تملك ثمن قطعة لباس لطفلها، ستكون «مبادرات فاعلة» «وفي وقتها» تماماً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1213