عندما وقف «سبايدرمان» وحيداً...!
ايمان الأحمد ايمان الأحمد

عندما وقف «سبايدرمان» وحيداً...!

تكثف الصور الأحداث وتخلق رؤية جديدة لمشاهديها، في الصورة عدة أطفال طلب منهم ارتداء زي شخصية البطل الخارق المفضل لديهم في إحدى المدارس في الأردن. فكانت النتيجة أن وقف «سبايدرمان» هذه المرة وحيداً بين المقاومين والصحافيين وفرق الإنقاذ.

تكثف الحروب المشاعر والأحاسيس، كما أنها تكثف الوعي والإدراك. ويتأثر الأطفال أكثر من غيرهم بما يحدث، وما يتابعونه من أخبار حرب الإبادة الجارية ضد الناس والشجر والحجر، وضد كل ما هو حي في غزة. فالحرب ليست بعيدة، وهي حاضرة بتفاصيلها هذه المرة، تنقل الشاشات أخبارها. وغالباً ما تثير مشاعر الأطفال الحساسة مخيلاتهم الغنية بالرموز.
توضح الصورة الملتقطة لمجموعة الأطفال هذه الفكرة، فغالبية الأطفال ارتدوا أزياء لشخصيات رجال المقاومة والصحافيين وفرق الإنقاذ في غزة، ووقف بينهم طفل يرتدي زي سبايدرمان وحيداً، في مفارقة صارخة لها دلالاتها. يحب الأطفال الأبطال والبطولة. ويحبون أكثر شخصية البطل الواقعي الحقيقي، بطل واضح المعالم يمتلك قصته الخاصة به، ولا بأس إن كانت قصته مرتبطة بمجموعة أخرى من بشر يشبهونه ويشاركونه الإثارة.
تولت مراكز القرار في العالم الغربي مهمة صناعة فكرة البطل والبطولة، وتكفل الإعلام بمؤسساته المختلفة بتنفيذها وتسويقها، وشمل ذلك خلق أبطال وهميين وتصدير الأبطال المزيفين كأبطال حقيقيين وغيرها، وكانت الإضافة في عالم الطفل هي «البطل الخارق»، بمواصفات متناسبة ومتناسقة مع نمط التفكير الفردي المنعزل عن أي عمل أو تفكير جماعي. فالبطولة مختزلة في أشخاصٍ محددين، أفراد قلائل لديهم قدرات حصلوا عليها بالصدفة، يستطيعون بها التحكم بكل ما حولهم، ويحاربون «الشر المطلق» الذي ليس لديه هدف سوى تخليصهم من هذه القوى، في محاكاة لنموذج النظام السائد، وغالباً لا يتضح في القصة المصدرة لهذا النمط سبب عداء «الشر المطلق» للبطل، ويختصره بالحسد والغيرة والرغبة بالتخريب وتدمير العالم، لا لشيء فقط... بل بسبب تعطشه للعنف والدماء!
يطرح هذا النمط بعض الأسئلة البسيطة، منها: لماذا أصبح البطل بطلاً هنا؟ وما الذي سيصبح عليه إن انتزعت منه قواه «الخارقة» وتحول إلى مجرد شخص عادي مثل بقية البشر.
العالم اليوم يتغير، ويتشكل نمط جديد من البطولة، ينتجه الواقع وأحداثه، بطل كل يوم، الفرد العادي الذي لا يملك قدرات خارقة للطبيعة، بل قدرات حقيقية، ونكران للذات في مواجهة الشدائد.
لم تفعل المشاهد المؤلمة القادمة من فلسطين سوى ترسيخ حالة من التعاطف الوجداني مع صمود رجال ونساء وأطفال فلسطين، وطبعت في أذهان وقلوب الكبار والصغار صوراً خاصة للبطولة، وحولتهم إلى نموذج ومثل أعلى، سيسهم في تقوية ارتباطهم بالقضية والحلم بتحرير فلسطين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1191
آخر تعديل على الأربعاء, 11 أيلول/سبتمبر 2024 22:30