أساطير جورج أورويل في الكتب المدرسية
منذ نشر «مزرعة الحيوانات» عام 1945، احتلت أعمال جورج أورويل مكاناً دائماً في المناهج المدرسية وخاصة في الغرب. لقد تم الإشادة به كثيراً باعتباره عبقرياً أدبياً وشخصاً يجمع بين الموهبة والمبادئ. ورغم التباهي به باعتباره عملاً فنياً عظيماً؛ يمكن اعتبار القصة في حد ذاتها أسطورة عن الشمولية بشكل عام. مع ذلك عندما توضع أسئلة امتحانية عن القصة فإنها جميعاً تثير أحداث ثورة أكتوبر البلشفية. وهكذا تمّ توظيف أورويل في الحملات المعادية للاشتراكية والشيوعية، منذ الحرب الباردة وحتى اليوم. فيما يلي بعض مما جاء في دراسة ثقافية نقدية هامّة للشيوعية البريطانية جوتي برار.
تعريب وإعداد: ناجي النابلسي
تمت كتابة العديد من المناهج الدراسية الغربية لكي توضح للطلاب بالضبط ما الذي من المفترض أن يفكروا فيه حول قصة جورج أورويل هذه بالتحديد، وبالتالي كيفية كتابة الإجابات النموذجية في امتحاناتهم. هذه الأدلة أكثر صراحة بكثير مما كان عليه أورويل نفسه فيما يتعلق بالمحتوى المناهض للشيوعية في عمله.
لنتفحص النص التالي على سبيل المثال المأخوذ من كتيب دراسي يركّز على النسخة المشوهة من التاريخ التي أراد نشرها بين العمال:
«لقد تأثرت الشيوعية بشدة بأفكار كارل ماركس الذي كان يعتقد أن الحياة يمكن تفسيرها من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. استغلت الطبقة الغنية الرأسمالية الطبقة الدنيا أو البروليتاريا... وهذا الوضع لا يمكن عكسه إلا بالثورة. إن العديد من أفكار ماركس تكمن وراء خطاب ميجور في الفصل الأول». (ملاحظات يورك، مزرعة الحيوانات، واندا أوبالينسكا: 1997، لندن، ص 12).
من الواضح إذاً أنّ استثمار البروباغاندا المعادية للشيوعية في أورويل لا تقتصر أبداً على انتقاد «الديكتاتور الأحمر» ستالين، بل تحاول تلطيخ سمعة الشيوعية ومعظم قادتها التاريخيين بمن فيهم كارل ماركس نفسه.
أسطَرة أورويل
تم تخصيص مساحة كبيرة للحديث عن شخص أورويل نفسه، في أدلة الدراسة وأوراق الامتحانات في كثير من المناهج الغربية لطلاب المدارس. وتم بعناية ترسيخ مؤهلاته «ليكون بمثابة صوت جيل كامل»، على حد تعبير آلان براون:
“كان أورويل اجتماعياً ومحباً للمنزل، ويؤمن بالحياة الأسرية... كان أورويل غير أناني، لطيفاً ودمثاً بطبيعته... كان أورويل يحب الحيوانات... ربما كان الأمر مبالغاً فيه، ولكن بشكل ملحوظ، أن أحد أصدقائه وصفه بأنه قديس». (ملاحظات برودي، مزرعة الحيوانات: سوفولك، 1978 ص 12-13).
«كممثل للضمير الأخلاقي الإنكليزي كان مراقباً، وحافظاً قدر الإمكان للعدالة فيما يتعلق بما رآه، وظل مسؤولاً عن الحقيقة الموضوعية... كان أورويل دائماً يضع إيماناً كبيراً بالحقيقة الموضوعية... فالكاتب كما يراه أورويل، وخاصة كاتب النثر، هو حارس البساطة والموضوعية والحقيقة المباشرة، وهكذا، في عصرنا هذا، يصبح حامياً للروح الإنسانية». (ملاحظات يورك، رواية «1984»، روبرت ويلش، 1980، الصفحات 7-8)
في مقالته عن أورويل في الامتحانات المدرسية، يقدم آلان براون الملاحظات التالية حول الطريقة التي ترتبط بها أسطورة أورويل بشكل معقد بتدريس نصوص أورويل:
«إن أسطورة أورويل تتضمن نوعاً من التقديس، واعتباره (مرشداً جديراً بالثقة). إنه مزيج خطابي غريب: ترتبط القيم الأخلاقية مثل الشجاعة والصدق والتعاطف ارتباطاً مباشراً بمعايير الموضوعية والحقيقة المباشرة» (دراسة أورويل، ص43).
«الاشتراكية غير صالحة»!
المغزى من كل هذا هو أن أي تلميح إلى أن الأحداث هي مجرد وجهة نظر أورويل يتم حذفها من المعادلة. ومن خلال إخبار القارئ بأن أورويل «محايد»، يمكن توضيح نقطة سياسية:
«بناءً على حجته والخبرة الشخصية والحس السليم، ولكن في الغالب بناء على الحقائق الملحوظة، توصل أورويل إلى استنتاج مفاده أنّ الاشتراكية في عصره كانت في الغالب غير واقعية وغير صالحة» (ملاحظات يورك، مزرعة الحيوانات، ص8).
وكما يقول براون: «من يستطيع أن يناقض المنطق السليم والحقيقة والتجربة؟ إن الغياب التام للشك أو التأهيل يجب أن يدفع [الطلاب] إلى ابتلاع الرأي وحتى التعصب كحقيقة مقبولة... يتم تسخير الدور (الأبدي) للفنان كقول الحقيقة لوظيفة سياسية. إن الخبرة والفطرة السليمة والواقعية والصدق هي جوانب من الشخصية الكاملة والمصطنعة. وهي توفر مجتمعة منصةً يمكن من خلالها طرح المواقف السياسية في التعليم دون الشك في التحيز أو التلقين. إن طرح وجهة نظر أورويل (وجهة نظر العقل واللياقة) لا يعني في الواقع طرح وجهة نظر على الإطلاق. إنها طريقة لرؤية ما وراء انتقال الصراع السياسي إلى الحقائق الأساسية للطبيعة البشرية والأخلاق... أورويل، باعتباره الصوت التمثيلي لعصر ما، يظهر أنه يحتوي على خيوط مختلفة ومتناقضة في عصره. تحقق العناصر المتضاربة انسجاماً غير مستقر في شخصية أورويل: اشتراكي/ناقد للاشتراكية، مثالي/واقعي، مشارك ذاتي/مراقب موضوعي. لقد تُرك الأمر أخيراً لشخصية (أورويل) لحل الخلافات الكبرى بين اليسار واليمين، لتأكيد طريق وسط بين الأيديولوجيات والقوى المتصارعة... وبعد حل التناقضات بين (الشيوعية) و(الفاشية) سواء بشكل تاريخي أو نظري، أصبح الطريق مفتوحاً أمام الاشتراكية نفسها الخالية من المضمون. يمكن اختزال اشتراكية أورويل إلى القيمة الفيكتورية المتمثلة في (الاهتمام) والإحسان تجاه الآخرين، إلى الذاتية الأخلاقية التي لا تتطلب أكثر من استجابة عاطفية... الاشتراكية باعتبارها تقوى أخلاقية مقبولة تماماً... لكن أي محاولة لتصور المجتمع والذاتية على أنهما عرضة للتغيير المنظم يجب أن يُنظر إليها على أنها (تهديد) فقط. [واعتبار] الاشتراكية تشبه الفاشية... إنّ فن السخرية، والحس السليم، في صناعة «أورويل» هو تذكيرنا بما نعرفه بالفعل وإخضاعنا لحتميته. وإذا كان التغيير السياسي مجرد وهم، فيجب علينا أن نستمد راحتنا من جماليات الثبات والجمود. (دراسة أورويل، الصفحات 46–7).
بالانتقال إلى كتاب أورويل نفسه، يمكن أن نرى أن «دليل الدراسة» ليس نسخة من الكتاب الحقيقي. يحاول أورويل دعم نظرية غريبة من نوع ما مبنية على مزيج من التروتسكية وحجة (الطبيعة البشرية) ليبين لنا لماذا لا يمكن للثورات بشكل عام والثورة الروسية بشكل خاص أن تنجح! شخصية الرائد، الخنزير، الذي من المفترض أن يمثل ماركس، لديه حلم ينقله إلى الحيوانات كوصية احتضاره، ويتم تقويلُه ما يلي:
«الإنسان هو العدو الحقيقي الوحيد الذي لدينا. قوموا بإزالة الإنسان من المشهد، وسيتم إلغاء السبب الجذري للجوع والإرهاق إلى الأبد... لا ينبغي لأي حجة أن تقودك إلى الضلال. لا تستمع أبداً عندما يقولون لك إنّ الإنسان والحيوانات لديهما مصلحة مشتركة، وأن رخاء أحدهما هو رخاء للآخر. كل ذلك كذب». (مزرعة الحيوان، جورج أورويل: هارموندسوورث، 1989، الصفحات 4-5).
لا يمكن لأحد عاقل أو أي قارئ موضوعي لكارل ماركس أن يساوي بين نظريات ماركس وبين هذا الثرثرة السخيفة. وبطبيعة الحال، فإن الإنسان والحيوانات لديهم مصلحة مشتركة. يتعمّد أورويل وضع الماركسية في ضوء عبثي من خلال مساواتها بهراء شخصية (ميجور). يتم تقديم الماركسية كنظرية للمثالية الساذجة، والتي تؤدي في الواقع إلى الاستبداد الساخر. ومع ذلك، يبدو أن المبدأ الأساسي في «مزرعة الحيوانات» هو أن البشر ليسوا أفضل من الحيوانات، وأن «الطبيعة البشرية» تقرر كل شيء. يولد بعض الناس ليحكموا والبعض الآخر ليتم استغلالهم؛ كل الجهود المبذولة لتغيير النظام لن تؤدّي سوى إلى ما هو أسوأ، لذلك يجب أن نكون ممتنين لما لدينا! أن نحافظ على الوضع القائم! يا له من «ثوريّ»!
لسوء الحظ بالنسبة لأورويل، هناك خلل واضح في الخطة. إنّ أي محاولة لتبرير الانقسامات الطبقية في المجتمع بالقول إن الطبقة الحاكمة تحكم لأنها أكثر ذكاءً وأكثر ملاءمة، في حين أن الفقراء ببساطة أغبياء أو كسالى، هي أسوأ أنواع القمامة الرجعية، التي يمكن أن يتفوّه بها أيُّ نازيّ. يشير ستيفن سيدلي إلى ذلك:
«إن حجة أورويل يتم طرحها على مستوى مختلف: بأن الاشتراكية مهما كان شكلها لا توفر لعامة الناس أملاً أكثر مما توفره الرأسمالية، وأنه سيتم خيانة الناس أولاً ثم احتجازهم رهائن من قبل تلك القوى التي يشترك فيها البشر مع الوحوش؛ وأن حكم الرأسمالية غير الفعال والحميد في بعض الأحيان، والذي على الأقل يبقي الوحوش تحت السيطرة، هو أهون الشرَّين. (اقتراح غير محتشم: «مزرعة الحيوانات»، ستيفن سيدلي؛ داخل الأسطورة، ص 158).
وهكذا يبدو أنّ المشكلة في «مزرعة الحيوانات» لا تقتصر على توظيفها في بروباغاندا العداء للشيوعية، بل تمتد إلى نصّ أورويل بالذات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1192