أنصتوا جيداً... ماذا قال الهدهد؟!

أنصتوا جيداً... ماذا قال الهدهد؟!

تنقل بعض وسائل الإعلام الأخبار والأحداث دون تحليل عميق للقضية الكامنة خلف الحدث، والحدث الذي تناوله الإعلام هذه المرة مدهش فعلاً. فقد تجاوزت مسيرات المقاومة و«هداهدها» الحدود المفروضة والأسوار العازلة وحلقت فوق الأراضي المحتلة ووثقت رحلتها بالصور. حمل الهدهد الرسالة واضحة إلى العدو، هذه الأرض لنا.

لم يقع الاختيار على اسم الهدهد عبثاً، ولا على عنوان الفيديو الذي أعلنت عنه المقاومة قبل نشره: ترقّبوا ما رجع به «الهُدهُد».

أبصرُ من هدهد

يصبح الهدهد شرساً إذا شعر بالخطر، يخدع أعداءه، فطريقته في الطيران متقطعة. سريعٌ جداً في الطيران والعدو، يتحمّل الظروف الصعبة، ذكي ومراوغ، بقابلية تخفٍّ ودفاع عن النفس بشكلٍ رائع وسلمي وباستخدام عدة طرق، مثل أخذ حمام رملي ثم الطيران قرب الأرض كي لا يميّزه الناظر عن شكل الأرض فلا يعرف اتجاهه، أو باستخدام تقنية رشّ رذاذ أسود زيتي برائحة كريهة من غدة في قاعدة الذيل تبعد أي متطفّل.
لهذا الطائر رمزية خاصة في المجتمعات التي تعرفه عن كثب في حياتها الزراعية، كما في تراثها الثقافي، مثل اليمن على سبيل المثال. وتقدم كثير من الأساطير والروايات الشعبية وصفاً لرمزية العلاقة الإنسان بالهدهد، فقد اعتقد الإغريق أن «الهدهد» قادر على فتح الأماكن المغلقة، واقتنى المصريون القدماء «الهداهد» في بيوتهم، وجعلوا منها رمزاً لـ«عين حورس»، التي اعتقدوا أنها قادرة على رؤية عالم الخفايا ومعرفة ما يدور من أسرار. وضرب العرب فيه المثل بحدة الإبصار وقوته، فيقولون: «أبصر من هدهد»، كما أصبحت صورة هذا الطائر رمزاً لصحة أي خبر، ولذلك استخدمته بعض وسائل الإعلام شعاراً لها، كما غزا اسم الهُدهد عدداً من مواقع التواصل الإلكتروني والاجتماعي، ومنصات التراسل الفوري، ودخل فضاء التطبيقات الرقمية للمراسلات، وجسّدته بعض الدول على شكل طابع بريدي نظراً لأهميته البيئية والرمزية.

الحلقة الأولى

في مقطع فيديو مطوّل تجاوزت مدته 9 دقائق ونصف الدقيقة نشره الإعلام الحربي للمقاومة في لبنان وتحت عنوان «هذا ما رجع به الهدهد». عرض فيه مشاهد من استطلاع جوي لمناطق في شمالي «كريات شمونة» و«نهاريا» و«صفد» و«كرميئيل» و«العفولة» وصولاً إلى حيفا ومينائها.
وتضمّنت المشاهد معلومات استخبارية لمواقع عسكرية لجيش الاحتلال، من بينها مشهد كامل وعالي الدقة لمجمّع الصناعات العسكرية شركة «رافاييل» وهو منطقة صناعية عسكرية تتبع لشركة «رافاييل»، ويضم عدداً كبيراً من المصانع والمخازن وحقول التجارب، ويجري فيها تصنيع وتجميع مكوّنات أنظمة الدفاع الجوي الفعّال، خصوصاً القبة الحديدية و«مقلاع داوُد». إذ أظهرت المشاهد بشكلٍ واضح: (عدة منصات للقبة الحديدية، ونفق اختبار محركات صاروخية، ومخازن محركات صاروخية، ومخازن صواريخ الدفاع الجوي، ومنشآت تصنيع المكوّنات الصاروخية، ومنصات مقلاع داوُد، ومصانع أنظمة التحكّم والتوجيه، والمباني الإدارية الخاصة بالشركة، بالإضافة إلى رادارات التجارب الصاروخية).
وأظهرت المشاهد جولة في كامل ميناء حيفا والمنطقة المحيطة به. ورصدت مواقع حساسة في حيفا من الميناء إلى مصافي النفط ومصانع عسكرية، بالإضافة إلى مواقع تمركز البوارج الحربية، وأماكن اقتصادية مهمّة منها محطة كهرباء حيفا، وخزانات المواد الكيميائية، ومطار حيفا وما تضمنه من مخازن القبة الحديدية ومنصاتها، وخزانات النفط. إضافة إلى مشهد كامل وعالي الدقة للتكتل السكاني وجولة في الوقت الحقيقي فيه مع تفصيل لأحيائه ومساحته وبعده عن الحدود اللبنانية.
وأرفقت المقاومة المقطع بعبارة الحلقة الأولى في إشارة إلى مزيد من المشاهد التي ستعرضها لاحقاً! وأكدت أنّ المسيّرة تجاوزت أنظمة الدفاع الجوي للاحتلال الصهيوني وعادت من دون أن تتمكّن من كشفها.

نأتيك بالدهشة والخبر اليقين!

في أول رد فعل تجاه الفيديو المنشور قال إعلام الاحتلال: «إنّ سلاح الجو معنيّ بالإجابة عن السؤال: كيف استطاع حزب الله التحليق فوق الوسائل باهظة الثمن للجيش وهي ترسو في ميناء حيفا». وأضاف أنّه «في الوقت الذي جعلنا حزب الله ننام يومين، حرص على تصوير جميع أماكننا الاستراتيجية في منطقة حيفا بأكملها». بينما سخرت «القناة الـ 14» الإسرائيلية من بيانات جيش الاحتلال قائلةً: «إنّ الإنذارات الكاذبة، كما يبدو، صوّرت خليج حيفا ومناطق استراتيجية حساسة إضافية في الشمال».
بينما تناولت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، في تقرير لها، مسيّرات المقاومة وما تشكّله من خطر على أمن «إسرائيل»، وخصوصاً من ناحية قدرتها على التسلل عبر النقاط العمياء وتجاوز أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي من دون اكتشافها. مؤكدة: «إن سلاح المسيّرات تجاوز حجر الزاوية في استراتيجية «الأمن القومي الإسرائيلي». وأشارت إلى أنّ «إسرائيل» أصيبت بصدمة مما رصدته المسيّرة من منشآت ومواقع حساسة فيها.

وحدة الساحات من منظور المقاومة

وتعكس الاتهامات المتبادلة بين القيادتين السياسية والعسكرية لدولة الاحتلال الفشل الذي أصابها منذ السابع من أكتوبر، فشل ذريع يتعمق يوماً بعد آخر مع استمرار الحرب دون تحقيق إنجازات يمكن أن تعيد لجيش الاحتلال وقيادته هيبته المكسورة، وتعيد للقيادة السياسية سمعتها المهدورة. فقد فشل الجيش خلال تسعة أشهر في تحقيق أي إنجاز أو اختراق نوعي يمكنه أن يبشر بـ«إنجاز» ما من أهدافه المعلنة، مكتفياً بالمجازر الدموية والإيغال في الوحشية.
يؤكد المحلل العسكري آفي يسسخاروف أن هجمات يائير نتنياهو ورسله من ميامي، على قائد أركان الجيش ورئيس «الشاباك» في الأيام الأخيرة هي مؤشر على عمق مأزق عدم تحقيق «النصر المطلق» الموعود أو أي نصر آخر، ولذلك «فإنهم يحددون مسبقاً كبش الفداء الذي سيلقون عليه مسؤولية عدم تحقيق النصر وهو يتمثل بالجيش والشاباك». ومن جهة أخرى اعتبر الناطق بلسان جيش الاحتلال دانييل هغاري في تصريح له، في محاولة قطع الطريق أمام تحميل الجيش كامل المسؤولية عن الفشل في تحقيق أهداف الحرب وردها إلى القيادة السياسية، اعتبر: أن الحديث عن إبادة حماس هو ذر للرماد في عيون الجمهور «الإسرائيلي»، وأضاف قائلاً: «إن حماس هي فكرة وحركة مزروعة في قلوب الناس ومن يعتقد أن بإمكانه إخفاء حماس فهو مخطئ». ورمى هغاري المسؤولية على القيادة السياسية في قضية الأسرى أيضاً عندما اعترف أنه من المستحيل إعادة جميع المخطوفين بوساطة عمليات عسكرية، مشيراً إلى «أن وظيفة الجيش تقتصر على خلق (ظروف ملائمة) بينما تقع مسؤولية اتخاذ القرارات السياسية المتعلقة بهذا الخصوص على عاتق القيادة السياسية».
إن هذه الاعترافات ليست سوى دليل على فشل الجيش المدجج بالسلاح أمام إيمان وإصرار وصمود المقاومين الفلسطينيين، رغم الدمار والموت والقتل الذي زرعه في غزة.

بالع الموس

نشرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية استطلاعاً للرأي شمل 2.650 نازحاً من الشمال، حول وضعهم النفسي والاقتصادي، أكدت نتائجه أنّ «نحو 28% منهم ليسوا مستعدين للعودة إلى سكنهم، وأنّ 65% منهم، «غير راضين عن حلول الإسكان التي تعرضها الدولة عليهم». ويصف، نحو 63% من نازحي الشمال وضعهم النفسي بالسيّئ، وغالبيتهم لم يتلقوا علاجاً نفسياً».
تمكنت المقاومة الفلسطينيّة من أن تكون ندًّا حقيقياً أمام أقوى قوّة عسكريّة في المنطقة، ولم يُترك الفلسطينيّون لوحدهم هذه المرّة. فالمقاومة في لبنان واليمن والعراق... وغيرها تواصل إسناد غزة بينما يدخل الاحتلال في نفق العزلة أكثر فأكثر. إنّ استمرار الحرب ليس مجّانيًّا، فإضافة إلى خسائر جيش الاحتلال البشرية، وخسائر الكيان الاقتصاديّة، وزيادة الضغط الدوليّ عليه، وانفضاح المنخرطين في قافلة التطبيع معه، وما يجري في العالم من تحوّلات، تتعمّق أزمة الثقة بالكيان، وتضعه في موقع ووضعيّة بالع الموس، فلا هو يستطيع ابتلاعه ولا هو قادر على انتزاعه من حلقه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1180