الجلاء وأيام التحدي في ميسلون
بدأ الدرب الطويل نحو الجلاء في ميسلون، وعبدت الثورة السورية الكبرى هذا الدرب ودفعت القافلة إلى الأمام. وكانت ذكرى معركة ميسلون مناسبة لتحدي الاستعمار الفرنسي والإصرار على رحيله عن أرض سورية من خلال إحياء ذكرى وزير الحربية السوري كل عام في ميسلون. وكتبت صحف تلك الفترة عن هذه المناسبة كل عام.
ميسلون ورياح الثورة 1925
عندما اشتعلت الثورة السورية الكبرى صيف عام 1925، وفي جو من النهوض الوطني العام في البلاد. أصرت مدينة دمشق على إحياء ذكرى ميسلون. فكتبت جريدة الشورى العدد 40 تاريخ 30 تموز 1925 بعنوان «شهيد ميسلون»:
قام جمع كبير من شباب دمشق الناهض يوم الجمعة 24 يوليو بحفلة زاروا بها قبر شهيد العرب في وقعة ميسلون المرحوم يوسف بك العظمة وزير الحربية في حكومة سورية العربية، وقد ألقيت على القبر مراثٍ انبعثت عن الروح الوطنية الكامنة في النفوس.
وكان إحياء ذكرى وزير الحربية السوري يوسف العظمة مناسبة للنضال ضد المستعمر في البلاد. ودعمت الجاليات السورية في الخارج هذا الموقف الوطني. إذ كتبت جريدة فلسطين في العدد 800 بتاريخ 11 آب 1925 تحت عنوان «ذكرى واقعة ميسلون»:
جاءنا من جمعية الطلاب العرب في برلين، أنها أقامت حفلة في 24 تموز الماضي في راين كولد بذكرى واقعة ميسلون المشهورة التي سالت تحت ظلها دماء أبناء سورية الطاهرة. وكان الطالب الجامعي كامل عياد رئيس جمعية الطلاب العرب في برلين ينظم النشاطات بين الحركة الطلابية في ذكرى ميسلون أو دعماً للثورة السورية الكبرى.
الإصرار على ذكرى ميسلون
تواصل النضال السياسي في سبيل الجلاء بعد انحسار الثورات الوطنية، وكان الإصرار على إحياء ذكرى معركة ميسلون في دمشق سنوات 1928 _ 1929 _ 1930 مناسبة لتعبيد الطريق نحو الجلاء العظيم.
في العام 1928، نظم شباب سورية حشداً على ضريح يوسف العظمة في ميسلون مذكّرين بالاستقلال مطالبين بالجلاء. وسارت السيارات والحشود القادمة من مختلف أنحاء سورية نحو الضريح لوضع الزهور، وألقيت الكلمات والخطب الحماسية والوطنية في الاحتفال. جريدة الشورى العدد 191 تاريخ 2 آب 1928.
وفي العام 1929، حيث كانت الإضرابات تحدث كثيراً احتجاجاً على استمرار الاستعمار الفرنسي وممارساته بحق الشعب السوري، واحتفل السوريون بذكرى معركة ميسلون يوم 24 تموز 1929 لإحياء ذكرى وزير الحربية الذي استشهد وهو يدافع عن الوطن.
وقد مشت الوفود في ذلك اليوم من جميع أنحاء سورية قاصدة «ميسلون» حيث استشهد الفقيد العظيم وغطوا الضريح بأكاليل الورود التي حملها الشباب والنواب الوطنيون إلى ضريح الشهيد الذي استشهد بكرات المدافع وقنابل الدبابات الهمجية حسب وصف الصحف. سورية، الحالة في دمشق، جريدة الشورى العدد 215 تاريخ 20 شباط 1929. يوم ميسلون، جريدة الشورى العدد 226 تاريخ 31 تموز 1929.
أما في العام 1930، حضر إلى ميسلون يوم 26 تموز، حشد كبير قدم من جميع أنحاء سورية. وقدرت الصحف في ذلك الوقت عدد الحضور بـ 10 آلاف شخص لإحياء ذكرى يوسف العظمة في تقليد وطني بدأ بعد استشهاده. وألقى نواب الحركة الوطنية الكلمات التي تطالب بحقوق الشعب السوري ونددوا بالاستعمار والاحتلال الذي وقعت سورية تحت قيوده منذ عشر سنوات.
وفي مدينة دمشق، حدث إضراب عام في ذكرى يوم ميسلون، وجرت مصادمات بين المظاهرات الوطنية وشرطة الاستعمار. ونشرت الصحف برقيات الوطنيين واحتجاجاتهم من سورية إلى أوروبا. ذكرى ميسلون، جريدة الشورى العدد 284 تاريخ 30 تموز 1930.
يوم ميسلون 1934-1937
كانت سنوات الثلاثينات سنوات نهوض الحركة الشعبية ضد الاستعمار، وكذلك سنوات نهوض الحركة العمالية والنقابية في سورية ولبنان، حيث وصل عدد المنتسبين إلى النقابات الثورية والإصلاحية عام 1935 إلى أكثر من عشرة آلاف عامل. ونهضت الحركة الإضرابية للعمال سنوات 1932-1935. وتوجت هذه المرحلة بالإضراب الخمسيني الكبير عام 1936. وفي هذه السنوات، كان الإصرار أيضاً على ذكرى ميسلون واستمرار تعبيد طريق الجلاء العظيم.
أحيا الشيوعيون القادمون من بيروت ذكرى معركة ميسلون بتاريخ 24 تموز 1934. وألقيت كلمة أمام الضريح لدعوة الشعب إلى تنظيم صفوفه والاستعداد لاسترجاع ميسلون وسورية ولبنان. وسجن مصطفى العريس وفؤاد قازان. وحكمت عليهما محاكم الاستعمار بسنتين من السجن قضياهَا بين سجون دمشق وحلب. وفي السجن خاضا نضالاً باسلاً، فنقل فؤاد إلى سجن درعا ومصطفى إلى سجن حمص، حيث استطاع الأخير إرسال برقية من داخل السجن إلى الصحف دافع فيها عن السجينات. مصطفى العريس يتذكر، دار الفارابي، بيروت 1982، ص 75.
وذكر النقابي شكري صديق أمين سر نقابة عمال الخياطة في دمشق بأنه انتسب إلى الحزب الشيوعي يوم 24 تموز 1936 عندما ذهب مع الشيوعيين من دمشق إلى ميسلون في باص لإحياء ذكرى يوسف العظمة الذي سقط في ساحة القتال ضد الجيوش الفرنسية الغازية. ذكريات النقابي جبران حلال، تقديم وتحقيق د. عبد الله حنا. ستوكهولم 2005، ص 117.
وكان الشيوعيون الأوائل يرددون «نشيد ميسلون» الذي كتبه قبلان مكرزل ونشرته جريدة صوت الشعب بتاريخ 17 تموز 1937 في ذكرى ميسلون وصولاً إلى عيد الجلاء العظيم.
وكانت ذكرى معركة ميسلون سنوات 1936-1937 مناسبة للكتلة الوطنية والوفد السوري المفاوض للنضال ضد الاستعمار. ونظمت الحركة الوطنية حشوداً جماهيرية عند ضريح ميسلون من كل عام للتأكيد على مطالب البلاد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1066