أضواء على النضال الطلابي في سورية 1900-1918

أضواء على النضال الطلابي في سورية 1900-1918

شكل الطلبة في المجتمع السوري فئة هامة لعبت دوراً مهماً في تاريخ سورية ونضال الشعب السوري في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين. وكانت الحركة الطلابية السورية في مقدمة الصفوف النضالية في فترة نهاية الحكم العثماني.

في تلك الفترة، فرضت الدولة العثمانية- من خلال سيطرتها على عدد من الشعوب باسم الدين- واقعاً خطيراً تمثل بمحاولة سلخهم عن تاريخهم ومحو حضاراتهم، والقضاء على لغتهم وإذلالهم، وكان على هذه الشعوب التصدي لهذا الخطر على جبهات، أهمها: حماية اللغة، إحياء التراث، التصدي للسياسات العنصرية، توعية الجماهير، تعميق الوحدة الوطنية ونبذ محاولات الصراع الطائفية، النضال من أجل الاستقلال.
وهذه المهام وضعت الطلبة الثوريين والمثقفين الثوريين في خندق النضال المتقدم باعتبارهم أكثر القطاعات الجماهيرية استيعاباً ووعياً لمثل هذه المهام.
وقد اعتمد التنفيذ في المرحلة الأولى على الاجتهادات الشخصية التي لم يكن يجمعها أي تنظيم، وإنما كان هناك بعض التعاون الذي يجسد التلاقي في المبادئ، ومن ثم انتقل النضال إلى مرحلة متقدمة، فكان يتم عبر التنظيم المدرسي من خلال الجمعيات والمنتديات والحلقات الأدبية التي ضمت الأساتذة والطلاب، ومن هذه الجمعيات التي تأسست في سورية وبلاد الشام: جمعية الآداب والعلوم، جمعية زهرة الأدب، الجمعية العلمية السورية، الجمعية التاريخية وغيرها.
كان عدد الطلاب في بلاد الشام في نهاية القرن التاسع عشر حوالي 5500 طالب في كافة المدارس التبشيرية التابعة للأوربيين والمدارس الآلية والمدارس الحكومية، حسب إحصائية نشرت في كتاب الصحافة السورية.
استطاع الطلبة السوريون أداء دورهم في التصدي للسلطة العثمانية بأساليب متقدمة، كان بعضها عفوياً، وبعضها الآخر منظماً، فنشأت جمعيات مع بداية القرن العشرين مناهضة للاستعمار، مثل: جمعية الكلية السورية 1901، جمعية النهضة العربية 1905، المنتدى الأوروبي 1910. «نشرة نيسان العدد 71 تموز 1996».
شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ظهور حركة التحرر الوطني السورية كانعكاس لعملية التوحد الوطني من جهة، وكتعبير عن الاحتجاج ضد الحكم الاستبدادي التركي المرتبط بالرأس مال الأجنبي من جهة أخرى.
ففي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ظهرت البرجوازية الوطنية التجارية في سورية ولبنان لوقوعها على مفارق طرق التجارة البرية العالمية. ومنذ ذلك الوقت بدأت تتشكل وحدة اقتصادية محدودة بين سورية والمناطق المجاورة لها، وبشكل خاص لبنان وفلسطين بالإضافة إلى العراق. في هذه الظروف برزت سورية تناضل بوجهها البرجوازي الوطني من أجل توحيد المنطقة وبلدانها، من أجل استقلالها ضمن إطار آسيا العربية.
إن الشبيبة التي حصلت على التعليم الحديث قد انفصلت عن القوانين الجائرة للنظام التقليدي، وأصبحت كقاعدة عامة، القوة الأكثر ثورية في المجتمع السوري.
خلال بداية القرن العشرين بأسره، كان الطلاب هم الفصائل الأكثرية ثورية من بين فئة المثقفين الوطنيين السورية، وقد انتشرت بشكل واسع بين الطلاب أفكار التحويل الثوري للمجتمع، وقاد الطلاب أول مظاهرة معادية للإمبريالية في سورية ولبنان، حيث جرت في بيروت في الأول من أيار سنة 1907، كما أن أول مؤتمر عربي قد انعقد في باريس عام 1913 بمبادرة من الطلبة العرب الذين يدرسون فيها، وكانت نسبة أعضاء أولى المنظمات الثورية «الجمعية العربية الفتاة» من الطلاب كبيرة. وكانت الجمعية العربية الفتاة التي كونها الطلاب من أقوى الجمعيات في ذلك الوقت «ن. ك. نيفيوديفا، على المبدأ، نضال الحزب الشيوعي السوري من أجل الجبهة الوطنية الموحدة 1936-1966، ترجمة زياد الملا، دار الطليعة الجديدة 1992، ص 16-74».
إن نشوء الجامعة السورية عام 1903 - حيث تأسست المدرسة الطبية بفرعيها الطب البشري والصيدلة- قد أعطى دفعا ًللحركة الطلابية السورية الجنينية للمضي قدماً في نضالها.
وفي أواخر العهد العثماني، كان الطلبة السوريون ينحدرون من الطبقات البرجوازية والإقطاعية بشكل رئيسي. أما الطبقات الفقيرة وأغلبهم فلاحون ورعاة في الريف أو حرفيون وعمال في المدن، فكانوا يعانون من الأمية بسبب وضعهم الاجتماعي والتركيب الطبقي للمجتمع.
هذه الطبقات هي التي استطاعت تدريس أبنائها في هذه المرحلة، ونشأت من هذه الطبقات فئة المثقفين الوطنيين التي لعبت دوراً مهماً في قيادة حركة التحرر الوطني السورية ضد الاستبداد العثماني المرتبط برأس المال الأجنبي. وخلال سنوات الحرب العالمية الأولى 1914-1918 اشتد نشاط حركة التحرر الوطني في دمشق وبيروت وغيرها وتوسعت تنظيماتها.
حملت تطورات الحرب العالمية الأولى أخطار الاحتلال الاستعماري الأوروبي للمنطقة، وخاصة بعد اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ووعد بلفور الصهيوني عام 1917. وخلال سنوات نهاية الحرب، بدأت الجيوش الاستعمارية الفرنسية والبريطانية باحتلال أراضي سورية ولبنان وفلسطين والعراق، لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل النضال الوطني في سورية ومحيطها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1031
آخر تعديل على الإثنين, 16 آب/أغسطس 2021 23:07