التسميم الإعلامي للجمهور

التسميم الإعلامي للجمهور

محاولات تسميم عقول الناس عبر وسائل الأعلام، هي إحدى أدوات الحرب النفسية الإعلامية، التي تهدف إلى توجيه الجمهور نحو حالة من الجمود، وتركيب ثوابت مصنعة متجزئة وضارة بمعارف الجمهور المتلقي للإعلام.

ومن أشهر مدارس الحرب النفسية الإعلامية، هي المدرسة الغربية التي تشكل بمجموع مؤسساتها الإعلامية المتنوعة، مرتعاً لإظهار الغرب وكأنه يمثل منظومة خالدة، وكل ما يخالفه لا وجود له، أو لا يمكن أن يكون جديراً لوضع الحلول أمام القضايا التي تواجه البشرية.

حرب الصور والكلمات

يلاحظ، أن موضوع شن الحرب النفسية الإعلامية نهج كامل عند الإمبراطوريات الكبرى المالكة لوسائل الإعلام الجماهيرية، ورغم الجهود الإعلامية الهائلة المبذولة، لم تستطع حرب الصور والكلمات تحقيق هدفها النهائي: تأبيد الرأسمالية في أذهان الجمهور المتلقي.
ومع أن الحرب النفسية الإعلامية حين تتجاوز جغرافية المكان، وطبيعة البيئة المجتمعية، إلاّ أن أعداد الذين يستيقظون تتصاعد، وتكذب كلام البرامج الإذاعية، وصور برامج التلفزة.

الإعلام غير محايد سياسياً

لم تشهد أية حقبة زمنية عبر التاريخ البشري، نشاطاً إعلامياً بكل هذا الحجم والوزن، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وعى الساسة الكبار في العالم إلى أنّ الدور الخطير الذي يمكن أن يلعبه الإعلام، لصالح الكيانات السياسية، لذلك فقد نجحوا في تجيير العمل الإعلامي بهدف تمرير المخططات السياسية والاجتماعية، وشن الحروب النفسية ضد الشعوب والبلدان المختلفة. وأقرب مثال في هذا المجال، هي: الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي في القرن الماضي.
إن التلازم بين الإعلام والسياسة، هو من أكثر الظواهر الملموسة لدى أي مجتمع، لدرجة غدت هناك استحالة للفصل بينهما في العديد من البرامج والمواد الإعلامية، إذ لا سياسة دون إعلام وبالعكس، ويمثل الإعلام دعامة كبرى للسياسة.
غياب التوازن سمة رئيسية في الإعلام الغربي، لهدف منع الجمهور من تلقي معلومات معينة، لذلك يجب تغطية ذلك بمعلومات تبرر سياسات المنظومة الرأسمالية القائمة، وتسمم العقول، ولكن بشكل محايد!

تأثير الحرب الإعلامية

قد.. يُظن أن من النتائج الاعتيادية التي تتركها عروض المواد الإعلامية المختلفة، ليس لها أكثر من تأثيرات وقتية عابرة في نفوس الجمهور المتلقي لتلك العروض الإعلامية، وأن كينونتها تمر في الأذهان مرور الكرام، وأن موقف إبداء المرونة من الأشياء، مسألة مقترنة عند عموم المتلقين للإعلام، بتفهم واعٍ يتجاوز أُطر التفكير الذاتي، وأن الاتجاه نحو الموضوعية هو الأمر الغالب في المواد الإعلامية.
ولكن، تلك المواد تلتصق بالجمهور وحياتهم اليومية الاجتماعية، وتتواصل عملية التراكم هذه لتأدية هدف واحد، هو: تسميم الجمهور إعلامياً والسيطرة عليه، بل وتوجيه وعيه نحو سياسات معينة. فحين يتجاهل الإعلام الغربي الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، يقيم الدنيا ولا يقعدها إذا ما تعلق الأمر بموضوع إلقاء القبض على عنصر مخابرات غربي أُدين بجرم التجسس المشهود. وهذا جانب من جوانب الألاعيب الإعلامية للرأسمالية في مصادرة حق الشعوب في حرية الإعلام، وفرض التبعية الإعلامية عليهم.

الحرب الإعلامية

الحرب الإعلامية شكل من أشكال الصراع التي تعتبرها وسائل الإعلام سلاحاً قيماً، ويمكن أيضاً تعريف الحرب الإعلامية كحرب معلومات باستخدام الوسائط المتعددة.
إن فكرة حرب المعلومات صالحة سواء في أوقات الحرب أو السلم، ولكن دائماً تجري في سياق الصراع. فجميع وسائل الإعلام يمكن حشدها: الصحف والملصقات والمنشورات والسينما والتصوير، وأيضا وسائل الإعلام على شبكة الإنترنت من اتصالات وشبكات اجتماعية، ومدونات وصحف إلكترونيه ومنتديات وندوات.
وأول حرب إعلامية تم تحديدها في التاريخ الغربي خلال الحرب العالمية الأولى، للمرة الأولى حشدت جميع وسائل الإعلام الصحف والملصقات والنشرات والسينما والصور الفوتوغرافية، إلخ. ولكن وفقاً للمؤرخ العسكري بيار رازو، فإن أول استخدام واسع النطاق للحرب الإعلامية يعود إلى الحرب العالمية الثانية. ولكن تطورت أدوات الحرب الإعلامية في القرن الواحد والعشرين إلى حد كبيرة، وشاهدنا دورها خلال الأزمات في مختلف بلدان العالم.
الحرب الإعلاميّة هي عبارة عن بث الأفكار، والإشاعات، والمعلومات الخاطئة والمغلوطة وغير السويّة بين الناس من خلال الفضائيات، والإذاعات، والإنترنت، والجرائد بهدف تغيير وجهات النظر وتسييرها باتجاه ما هو مطلوب منها، وتحقيق التضليل الإعلامي، والتلاعب بالرأي، والوعي العام، وسلوك المواطنين، وتعدّ الحرب الإعلاميّة من أخطر أنواع الحروب نظراً لتأثيرها في نفسيّة متلقي المعلومات والمواد الإعلامية، لدرجة تبني هذه المعلومات والدفاع عنها. كما تأتي الحرب الإعلاميّة مرافقة لبقية أنواع الحروب سواء كانت عسكريّة، أم اقتصاديّة، أم سياسيّة، وقد تكون في حالة السلم بهدف إفساد عقول الناس ونشر الفوضى والإرباك بينهم.
تؤدي الحرب الإعلاميّة إلى التأثير في نفسيّة المستمع، وتثبيط عزيمته، وسلب الإرادة منه، وبالتالي سهولة السيطرة عليه، فكم من حرب تم تحقيق النصر فيها بسبب ما تم بثه من أفكار ومعلومات، ونظراً إلى أهمية الحرب الإعلامية امتلكت القوات العسكرية محطات خاصة بها، لتبث ما تريد من معلومات بين المواطنين وبين الجنود للتحكم في سير الأمور. ولعل أكثر أدوات الحرب الإعلامية خطورة تلك التي تكون مستترة تحت ستار العلم والثقافة والأدب والمساعدة والمنح الجامعية والعلمية عبر المنظمات غير الحكومية، التي تمارس القمع الناعم للجمهور، وبالتالي تنفيذ الهيمنة الثقافية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
972
آخر تعديل على الإثنين, 29 حزيران/يونيو 2020 13:32