الأدب الآشوري القديم
لؤي محمد لؤي محمد

الأدب الآشوري القديم

حافظ الناس في الشرق على صور بقيت في ذاكرتهم من الحكايات القديمة والأساطير الشعبية والأدب الملحمي الملون بألوان الشرق نفسه، ملاحم غنائية وقصائد ملحمية تؤرخ حياة شعوب الشرق وقدرتهم على الصمود في وجه المحن المتتالية منذ قرون.

وفي هذا الشرق، عاش أبناء هذه المنطقة (أكراداً وعرباً وآشوريين وسريان.. إلخ) جنباً إلى جنب منذ آلاف السنين، وتشاركوا الظروف القاسية نفسها، وتبادلوا الخبرات الفلاحية والحرفية.. إلخ. واشتركوا بالألحان الموسيقية رغم تنوعها، وكما في السابق لم يستطع أحدها أن يعيش بمعزل عن الآخر تشترك اليوم أيضاً بالظروف ذاتها والمصير ذاته.

الرسائل والملاحم القديمة

يتألف الأدب الآشوري والبابلي القديم من نصوص كُتبت باللغة الآشورية والبابلية بين الألف الثالث قبل الميلاد وعصر ظهور المسيح. وتتناول معظم الألواح المسمارية العلوم والاقتصاد والسياسات الإدارية والقانون بما في ذلك واحدة من أعظم الوثائق القانونية على الاطلاق، ألا وهي شريعة حمورابي، وبعضها على شكل رسائل رسمية. ومع ذلك فهناك مجموعة من الأنواع الأدبية الصرفة الأخرى، من بينها ملاحم وأساطير وسجلات تاريخية وحوليات وقصص حب أسطورية على شكل أشعار وترانيم وأدعية وتعاويذ وطقوس، ونصوص تتناول السحر والنبوءات ومجاميع الأمثال والحكم وقواعد سلوك والمجادلات الحوارية والصور الأدبية الغريبة بين الحيوانات والأشجار التي تتعامل مع البؤس الإنساني.
وأغلب هذه المجموعة من الأدب كُتب باللغة البابلية التي كانت مستخدمة في القسم الجنوبي من بلاد ما بين النهرين (العراق حالياً). بينما تشمل النصوص المكتوبة باللغة الآشورية التي كانت مستخدمة في الشمال على كتابات تاريخية ووثائق عمل وأجوبة الآلهة وطقوس ورسائل رسمية.
لعبت الألواح المسمارية دوراً كبيراً في حفظ الآداب الآشورية والبابلية، ومنها آلاف الألواح التي كانت قد جمعت في مكتبة نينوى «سرق الاستعمار البريطاني الكثير منها» إن أطول قصيدتين ملحميتين بابليتين هما: ملحمة الخلق، وملحمة كِلكَامش. وتتألف الأولى من سبعة ألواح وتتناول الصراع بين الأمر الكوني (الإلهي) والفوضى البدائية. وتتعلق ملحمة كِلكَامش التي كُتبت حوالي 2000 قبل الميلاد على 12 لوح مسماري بالبحث العقيم لبطل الملحمة عن الخلود.
وكان للقصيدة الملحمية- التي نسجت ببراعة وعلى نحو متصل، والتي أُخِذت من سلسلة حكايات سومرية منفصلة قديمة- جاذبية شعبية كبيرة في تلك العصور القديمة، وتشير إلى شخصية شبيهة بشخصية النبي نوح الذي نجا من الطوفان الكبير. وتخبرنا ملحمة زو عن سرقة الألواح الخاصة بالقضاء والقدر من الآلهة، والتي سرقها الطير الشرير زو وجرى استعادتها على يد الإله المحارب نينورتا. وفيها قصة البحث عن شجرة الولادات والمنشأ على يد الراعي ايتانا، الذي أسس في نهاية الأمر أول سلالة حاكمة بعد الطوفان. وهناك ملحمة نركال وأرشكيكال التي تتعلق بزواج الإلهين اللذين حكما العالم السفلي(الجحيم). ومن بين الأعمال المهمة الأخرى الثيودسيا البابلية، وهي حوار شعري حول رجل صابر صالح يشبه النبي أيوب. وهنالك القصة الفولكلورية لشخص مستضعف من نيبور، التي يبدو أنها أصل إحدى حكايات ألف ليلة وليلة. وقصة ملك البؤساء التي تتناول الحملة الحربية على الأناضول بقيادة الملك الأكدي سرجون الأول (الذي حكم في الفترة من 2335-2279 قبل الميلاد).

الحصادون

تعود أغنية «أيها الحصادون»، وهي أغنية من الفلكلور الآشوري مثلاً، إلى مئات السنين، وترثي كلمات هذه الأغنية حال الفلاح الآشوري الذي طحنه ظلم الأغنياء، وتدعو الفلاحين للنهوض إلى الحصاد وكسر القيود، وتوصف حقول القمح وبساتين الكروم المترامية التي تنهب، وتتساءل عن حصة من يزرع ويحصد ولا يحصل على شيء!
توصف كلمات أحد المقاطع ما يفعله الأغنياء قائلة:
«وقلوبهم مغلقة، يمرون بجانبنا ولا يلتفتون إلينا، نحن عطشى وهم لا يروننا، نحن جياع وهم متخمون». وتكمل التساؤلات في مقطع ثان: «إلى متى سيبقى أبونا العجوز، يزرع الحنطة، ولا يحصل على الذهب، إلى متى سيبقى بانتظارنا، ويداه مجروحة من حراثة الأرض». وتؤكد في النهاية على إرادة الناس: «أيها الحصادون قوموا، واحصدوا حصادنا، فقد حان الوقت لنكسر القيد».

التأثيرات المتبادلة

يحفل التراث الآشوري، كغيره بقصص الحب والعشق والبطولات والمآسي والحنين.. الخ، وكغيره أيضاً، يعاني هذه التراث من كونه لم يحفظ ويُدوّن كله، ويعود سبب ذلك في جزء منه إلى طبيعة الشعب (الفلاحية)، وإلى ظروف التهجير والهجرة التي عاشها. مما جعل مآثره تنتقل شفاهياً عن طريق الأغنية الشعبية والقصيدة الغنائية، والأمثال وغيرها، وهذا ما ينطبق على الأدب الكردي أيضاً، رغم التفاوت النسبي بينهما في هذه المسألة. ويلاحظ التأثر والتأثير المتبادل بينهما، والذي غالباً ما يغفله الباحثون في دراساتهم عند دراسة الأدب والتراث الشفاهي، وهو ما ينطبق على الشعوب الأخرى كالعربية وغيرها.
فعلى سبيل المثال: هناك الحكايات الآشورية الفولكلورية القديمة، مثل: «الراوي» و«الليليانا» القادمة أصلاً من قرى منطقة هكاري، والتي تنتشر بين الأكراد أيضاً، وهي واحدة من الأمثلة على تأثر آداب شعوب الشرق ببعضها منذ قرون طويلة. وكذلك هي واحدة من القضايا التي تجاهلها المستشرقون الغربيون وقفزوا من فوقها عمداً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
972
آخر تعديل على الإثنين, 29 حزيران/يونيو 2020 13:33